مونديال 2030.. هكذا يخطط المغرب لما بعد صافرة النهاية

منذ الإعلان عن فوز المغرب، إلى جانب إسبانيا والبرتغال، بتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030، انطلقت موجة من النقاشات حول موازين الربح والخسارة بين الشركاء الثلاثة. غير أن قراءة متأنية في الأبعاد السياسية والاقتصادية والبنيوية تكشف أن المملكة المغربية هي الطرف الأكثر استفادة، والأقدر على تحويل هذا الحدث الرياضي إلى مشروع وطني شامل يتجاوز حدود المستطيل الأخضر.

المغرب يدخل هذه التجربة من موقع مختلف تمامًا عن شريكيه الأوروبيين. فهو ليس دولة مكتفية بالبنية التحتية القائمة، بل بلد يضع المونديال في قلب استراتيجية تحديث كبرى تمتد من تطوير شبكة الطرق والموانئ والمطارات إلى توسيع قدراته الفندقية والخدماتية. كل استثمار في هذا الإطار ليس نفقات ظرفية، بل هو لبنة في مشروع تنموي طويل المدى ستبقى ثماره قائمة بعد انتهاء صافرة البطولة.

البعد الجغرافي يمنح المغرب مركزًا استثنائيًا. فهو بوابة إفريقيا نحو أوروبا، ووجهة صاعدة تربط بين ضفتي الأطلسي. هذا الموقع، مدعوم باستقرار سياسي ورؤية ملكية واضحة، يجعل من البطولة فرصة لتكريس المملكة كمنصة لوجستية وتجارية وثقافية على الصعيد الدولي. وعندما تتجه أنظار مئات الملايين من عشاق كرة القدم إلى الملاعب المغربية، فإن صورة البلاد كدولة حديثة، منفتحة، وقادرة على احتضان أحداث كبرى، ستترسخ في الوعي الجماعي العالمي.

اقتصاديًا، من المنتظر أن تخلق التحضيرات للمونديال دينامية استثمارية ضخمة، سواء عبر مشاريع البنية التحتية أو عبر استقطاب الاستثمارات السياحية والخدماتية. التجارب السابقة أكدت أن الأحداث الرياضية الكبرى ترفع من معدلات النمو السياحي، لكن في حالة المغرب، فإن المردود سيكون أعمق، لأنه يتزامن مع توسع في الطاقة الاستيعابية للموانئ والمطارات، وتطوير لوسائل النقل بين المدن، وهي مكاسب لا تتوفر دائمًا في الدول التي سبق لها تنظيم بطولات مماثلة.

سياسيًا ودبلوماسيًا، ستشكل هذه الشراكة الثلاثية ساحة جديدة لتعزيز موقع المغرب كفاعل دولي مؤثر، وقوة إقليمية ووسيط بين إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية. التنسيق مع الفيفا، والاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوروبي لكرة القدم سيمنح المغرب فرصًا لتعزيز حضوره في مراكز صناعة القرار الرياضي العالمي، مع ما يرافق ذلك من امتدادات اقتصادية وثقافية.

إحداث مؤسسة «المغرب 2030» بهيكلها المستقل ماليًا وإداريًا يعكس وعيًا استراتيجيًا بضرورة تجاوز البيروقراطية التقليدية. ارتباط هذه المؤسسة المباشر بالقيادة العليا يضمن سرعة التنفيذ، ودقة التنسيق بين القطاعات الحكومية والخاصة، وفعالية إدارة الموارد. كما أن إشراك شخصيات من القطاع الخاص والمجتمع المدني والمغاربة المقيمين بالخارج في المجلس الاستشاري يفتح الباب أمام رؤية متعددة الأبعاد، توائم بين الطموح الرياضي والمكاسب الاقتصادية والاجتماعية.

خلافًا لما قد يروجه البعض، فإن المونديال بالنسبة للمغرب ليس مجرد شراكة لتقاسم المباريات، بل مشروع دولة يراد منه إعادة تشكيل البنية التحتية الوطنية، وتعزيز الحضور الدبلوماسي، وترسيخ صورة المملكة كدولة قادرة على منافسة القوى الكبرى في تنظيم أضخم التظاهرات الرياضية. هذا الحدث سيكون تتويجًا لرؤية بدأت منذ سنوات في الاستثمار في الملاعب، واللوجستيك، والترويج السياحي، وهو ما سيجعل أثره ممتدًا لعقود بعد 2030.

هكذا، بينما قد تجني إسبانيا والبرتغال أرباحًا سياحية آنية، فإن المغرب يتجه نحو مكاسب استراتيجية دائمة، تجعل من كأس العالم نقطة تحول في مسار تحديثه وتعزيز موقعه الدولي، وإثبات أن الإرادة السياسية والرؤية الواضحة يمكن أن تحول حلمًا رياضيًا إلى مشروع وطني شامل.