بينما كان رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، يقف تحت قبة البرلمان في يوليوز الماضي متحدثًا عن “عهد جديد للتشغيل” ورؤية تمتد إلى 2030، كانت أرقام المندوبية السامية للتخطيط تكشف وجهًا آخر للحقيقة: نزيف غير مسبوق في مناصب الشغل بالعالم القروي. في ثلاثة أشهر فقط، اختفى 107 آلاف منصب، أي ما يعادل اقتصاد مدينة كاملة انهار فجأة.
هذا الانهيار لا يمكن فصله عن السياسات التي أشرف عليها أخنوش نفسه منذ 2008 عبر “المخطط الأخضر”، الذي وعد بتحويل الفلاحة إلى رافعة للتشغيل، قبل أن ينتهي الأمر بخسارة تقارب مليون منصب شغل خلال عقد واحد. أرقام بنك المغرب لا ترحم: 965 ألف منصب تبخروا منذ إطلاق المخطط، أي معدل سنوي كارثي بلغ 136 ألف منصب مفقود بين 2018 و2023.
القرى اليوم تدفع الثمن مضاعفًا. النساء اللواتي كثر الحديث عن “تمكينهن” تراجعت مشاركتهن في سوق العمل إلى أقل من 19%، والشباب يهاجرون نحو المدن أو يقفون في طوابير البطالة. الجرارات وآلات الحصاد تضاعفت، لكن من دون أي بدائل حقيقية للفلاح الصغير، لتُترك آلاف الأسر بلا مصدر رزق.
ورغم هذه الحقائق الصادمة، تواصل الحكومة بيع الوهم عبر أرقام براقة عن مئات آلاف المناصب الجديدة في قطاع الخدمات، أو وعود مستقبلية بـ1,45 مليون منصب إلى غاية 2030. لكن خلف هذه الدعاية يظل النزيف الفلاحي مستمرًا بلا توقف، في قطاع يُفترض أنه العمود الفقري للتشغيل الوطني.
المفارقة أن رئيس الحكومة القادم من صلب الفلاحة، هو نفسه الذي يشرف على انهيارها. أي معنى لـ”الجرأة السياسية” إذا كانت لا تترجم إلا في الميكروفونات، بينما القرى تتحول إلى خزانات للفقر والهجرة القسرية؟ كيف يُعقل أن مخططًا صُرفت عليه المليارات يُفضي إلى نتيجة عكسية: تراجع التشغيل، وانكماش الدخل الفلاحي، وانهيار العدالة المجالية؟
الجواب واضح: فشل استراتيجي ممتد من المخطط الأخضر إلى الحكومة الحالية، يهدد مستقبل قرى بأكملها. وبينما تتزين الخطابات بالأرقام الوردية، يظل الواقع أكثر قسوة: عالم قروي يتداعى، ومغرب الفرص يتحول في صمت إلى مغرب الهشاشة.