هاشتاغ _ عزيز الأحمدي
في وقتٍ يغلي فيه الشارع المغربي على وقع احتجاجات جيل “Z” التي كشفت عمق الأزمة الاجتماعية، اختار وزير الصحة والحماية الاجتماعية أن يضيف مزيدًا من الزيت على نار فقدان الثقة، من خلال تصريحاتٍ وُصفت في الأوساط المهنية بـ”غير الدقيقة” و”المضلّلة”، بعدما زعم أن وزارته قررت وقف الدعم المالي الموجّه للمصحات الخاصة.
غير أن ما لم يتوقّعه الوزير هو الردّ القاطع الذي جاءه من الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة (ANCP)، وهي الهيئة التي تمثل الغالبية الساحقة من المصحات الخاصة بالمملكة، والتي أصدرت بلاغًا نارياً من الدار البيضاء يوم 5 أكتوبر 2025، نسف رواية الوزير من أساسها، وفضح غياب أي أثر واقعي للدعم الذي يدّعي أنه أوقفه.
فالجمعية قالتها بوضوح في رسالة رسمية موجّهة إلى وزير الصحة:“إلى حدود اليوم، لا توجد أي مصحة خاصة منضوية تحت لواء الجمعية استفادت من أي إعانة مالية، لا لتغطية مصاريف التسيير ولا لتجهيز بنياتها.”
ردّ صريح ودقيق، يُكذّب الخطاب الحكومي أمام الرأي العام، ويكشف أن الوزير يحاول صناعة إنجاز وهمي بالترويج لتوقيف دعمٍ لم يُمنح أصلًا. بل ذهبت الجمعية أبعد من ذلك، إذ طالبت الوزير علنًا بنشر لائحة المستفيدين، إن وُجدوا، وكذا تحديد النصوص القانونية والتنظيمية التي استند إليها في تصريحه، “من أجل ضمان الشفافية التامة أمام المواطنين وتفادي كل لبس أو تضليل”، وفق تعبيرها.
وبلغة سياسية باردة لكنها لاذعة، أكدت الجمعية أن مثل هذه التصريحات “تخلق اللبس لدى الرأي العام، وتضر بصورة قطاعٍ ظلّ لعقود يشتغل إلى جانب الدولة في خدمة الصحة العمومية.”
بمعنى آخر، الوزير لم يخطئ فقط في المعلومة، بل أساء إلى قطاع بأكمله، في لحظة حساسة يعرف فيها المغرب احتقانًا اجتماعياً وتراجعاً مقلقاً في الثقة في الخطاب الحكومي.
وأشار بلاغ الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة أيضًا إلى أن هذه المؤسسات تستقبل سنويًا آلاف المرضى الذين يختارون خدماتها، وتُسهم فعليًا في تخفيف الضغط على المستشفيات العمومية، مؤكدة أن “المصحات الخاصة لم تتلقّ أي دعم مالي من الدولة، بل تعتمد كليًا على مواردها الذاتية وتشتغل بشراكة ميدانية لصالح الصحة الوطنية”.
وبين سطور البلاغ، رسالة سياسية عميقة: الوزير لا يملك معطيات دقيقة، ويتحدث دون تحقق، في ظرف دقيق تتطلب فيه البلاد خطاباً مسؤولاً لا مرتجلاً.
فكيف يمكن لوزيرٍ يشرف على قطاع حيوي أن يخطئ في معلومة بهذا الحجم، وهو الذي يُفترض أنه يملك كل الأرقام والبيانات؟ وكيف يمكن لحكومةٍ تواجه واحدة من أعنف موجات الاحتجاجات أن تسمح لأحد وزرائها بأن يضيف إلى فوضى الشارع فوضى التصريحات؟
إن المفارقة أن الجمعية لم تكتفِ بالتكذيب، بل دعت إلى “فتح حوار بنّاء لتقوية التكامل بين القطاعين العام والخاص”، في حين أن الوزير، بدلاً من فتح جسور التعاون، اختار نهج المواجهة اللفظية والتضليل الإعلامي لتلميع صورته وسط أزمة فقدان الثقة.
كما أن أخطر ما في تصريح الوزير ليس الخطأ في المعطيات فقط، بل الرسالة السياسية التي يبعثها للمغاربة: أن الحكومة ما زالت تتحدث دون وثائق، وتعد دون أرقام، وتبرر دون براهين.
وفي عزّ زمن الغضب الشعبي، لا شيء أخطر من مسؤولٍ يُضلل شعبه بدل أن يُصارحه.