في سابقة قضائية غير مسبوقة، أصدرت محكمة النقض قرارًا مثيرًا للانتباه يقضي باعتماد مقطع من برنامج “مختفون” الذي تبثه القناة الثانية، كـ دليل جنائي لإدانة متهمة في قضية تزوير محرر رسمي واستعماله، في خطوة وُصفت بأنها تفتح نقاشًا جديدًا حول استخدام المواد الإعلامية كوسائل إثبات أمام القضاء المغربي.
وجاء في القرار عدد 4/360 أن المحكمة أيّدت الحكم الاستئنافي الصادر عن محكمة الجديدة، القاضي بسجن المتهمة سنتين نافذتين، بعد ثبوت تورطها في طلب رسم إرث مزوّر ادعت فيه نسبها إلى امرأة متوفاة لا علاقة لها بها.
وتعود تفاصيل القضية إلى شكاية تقدّمت بها أخت الهالكة، تتهم فيها المتهمة بانتحال صفة وريثة واستعمال وثائق عدلية مزوّرة، فيما أثبتت الشهادة العدلية أن المتوفاة كانت عاقرًا ولم تُنجب طيلة 52 سنة من زواجها.
وخلال مسار التحقيق، استندت المحكمة إلى مقطع مصوّر من برنامج “مختفون” ظهرت فيه المتهمة وهي تُوجّه نداءً للبحث عن والدتها الحقيقية، وهو ما أقرّت به أثناء البحث القضائي دون أن تنفي مشاركتها في البرنامج، معتبرة أن ظهورها الإعلامي كان بدافع “البحث عن الجذور”.
غير أن المحكمة رأت في هذا الظهور قرينة قوية على انقطاع نسبها عن العائلة التي ادّعت وراثتها، لتقرّر بناءً على ذلك إبطال رسم الإرث المزوّر وإدانتها بالسجن النافذ.
ويُعد هذا الحكم، وفق مختصين في القانون، اجتهادًا قضائيًا جديدًا يرسّخ مبدأ مشروعية اعتماد الأدلة السمعية البصرية في القضايا ذات الطابع الجنائي، بما في ذلك البرامج التلفزية ومقاطع الفيديو المنشورة في وسائل الإعلام أو المنصات الرقمية، طالما تُستوفى شروط المصداقية والإثبات.
ويرى مراقبون أن هذا القرار سيُحدث تحولًا في فلسفة الإثبات الجنائي بالمغرب، ويفتح الباب أمام توسيع نطاق قبول الأدلة الإعلامية في المحاكم، خصوصًا في ظل تزايد القضايا التي تتقاطع فيها المعطيات القانونية مع الوسائط الرقمية.