هاشتاغ _ الرباط
لقد جاء الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية ليشكل لحظة سياسية فاصلة في تاريخ الولاية الحكومية الحالية، ليس لأنه تضمن نقدًا مباشرًا، ولكن لأن لغة الملك هذه المرة حملت نَفَسًا تقويمياً صارماً، يكاد يعلن نهاية مرحلة وبداية أخرى.
فالخطاب، في عمقه، لم يكن خطاب افتتاحٍ شكليًّا، بل كان أقرب إلى “وثيقة تقييم سياسي” لأداء الحكومة، وتذكيرًا صريحًا بمسؤولياتها الدستورية التي تآكلت تحت وطأة البيروقراطية والبطء والتبرير.
منذ البداية، بدا واضحًا أن الملك يتحدث من موقع إدراك تام لنبض الشارع المغربي، خصوصًا في سياق ما تعرفه البلاد من احتجاجات شبابية متصاعدة قادها ما اصطلح عليه إعلاميًا بـ”جيل زيد”، وهو جيل وُلد في قلب التحولات الرقمية، ويرى أن السياسة التقليدية فقدت قدرتها على التمثيل والإقناع. لذلك، فإن الخطاب الملكي لم يكن موجهًا فقط إلى البرلمان، بل أيضًا إلى هؤلاء الشباب الذين طالبوا بدولة أكثر عدالة وشفافية وكفاءة.
وحين شدد الملك على ضرورة “محاربة كل الممارسات التي تُضيّع الوقت والجهد والإمكانات”، فإنه كان يضع أصبعه على جوهر الأزمة الحكومية الراهنة: غياب الفعالية.
فالحكومة الحالية، التي دخلت إلى المشهد السياسي بشعار “النتائج الملموسة”، تحولت مع مرور الوقت إلى نموذج في البطء وضعف التواصل وفقدان الحس الاجتماعي. الخطاب الملكي أعاد التأكيد على أن التنمية ليست مجرد ميزانيات ومؤشرات، بل فعل يومي ملموس يشعر به المواطن في التعليم والصحة والتشغيل.
الملك، وهو يتحدث عن “الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية”، كان يعلن ضمنيًا عن نهاية منطق “الخطط الورقية” التي راكمتها الحكومات السابقة دون أثر فعلي.
لقد كان كمن يقول إن مرحلة التجميل الإعلامي انتهت، وأن زمن “السياسة الصامتة والفعّالة” قد بدأ. وفي هذا السياق، بدت حكومة أخنوش وكأنها خارج إيقاع الدولة، تعيش زمنها الخاص، في حين أن البلاد تتغير بسرعة تفوق قدرتها على الفهم والمواكبة.
إن هذا الخطاب يضع الحكومة أمام امتحان مصيري: إما أن تُصحّح مسارها جذريًا في الأشهر القليلة المقبلة، أو أن تواجه مصيرها الدستوري الطبيعي.
فحين يطالب الملك، بصفته رئيس الدولة، بـ”تسريع وتيرة الإصلاح” و”رفع مردودية الاستثمار العمومي”، فإن ذلك يفتح الباب أمام قراءة سياسية مفادها أن رأس الدولة لم يعد راضيًا عن الإيقاع البطيء للحكومة الحالية، وأن مرحلة ما بعد الخطاب لن تشبه ما قبلها.
الرسالة العميقة للخطاب إذن، هي أن الملك انحاز للمجتمع ضد الحكومة، وللعدالة الاجتماعية ضد منطق السوق، وللشباب ضد البيروقراطية السياسية. إنها لحظة عودة الثقة في الدولة، لا في الحكومة.
فالمغرب الذي يريد المضي بثقة نحو المستقبل لا يمكن أن يظل رهينة حكومة فقدت القدرة على الإنصات والتفاعل.
وبين سطور الخطاب، فهم الجميع المعنى دون حاجة إلى تصريح مباشر: الملك تحدث بلغة البناء، والحكومة ما زالت غارقة في تبرير الأعذار.
إن الملك دعا إلى مغرب صاعد، والحكومة تعيش مرحلة الهبوط الهادئ.
ومن هنا، فإن خلاصة التحليل السياسي لهذا الخطاب هي أن الدولة قررت استعادة المبادرة، بعد أن فقدتها حكومة أخنوش في دوامة التبرير والبطء.
وهكذا، يمكن القول إن الشارع فهم الرسالة قبل أن تنتهي الجلسة الملك مع الشعب في صف واحد،
وما تبقى من الحكومة… مجرد صفحة تنتظر أن تُطوى.