فضيحة “طحن الورق”.. تفاصيل احتراق “البام” بناره تحت قبة البرلمان

هاشتاغ

‎لم يكد ينهي أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، كلمته خلال مناقشة مشروع قانون المالية، حتى تحولت قبة البرلمان إلى ساحة جدل صاخب، بعدما أطلق قنبلة لفظية اتهم فيها شركات المطاحن بـ”طحن الأوراق وبيعها كدقيق مدعم”، في تصريح وُصف داخل الأوساط المهنية بأنه “أخطر سقطة برلمانية منذ بداية الولاية الحكومية”.

‎لكن الأخطر من زلة التويزي، كان محاولة برلماني حزبه عبد الرحيم بوعزة ترقيع الفضيحة، عبر تدوينة زعم فيها أن “طحن الورق” كان مجرد تعبير مجازي يقصد به التزوير في الفواتير، في ما بدا تبريراً متهافتاً يزيد من عمق الأزمة التي وضعت حزب الأصالة والمعاصرة في قلب عاصفة سياسية وأخلاقية غير مسبوقة.

‎فمن الواضح أن التويزي، في لحظة حماس أو جهل، أطلق تصريحاً دون وعي بحجم الكارثة التي سيتسبب فيها لقطاع يشغل آلاف العمال، ويخضع لأكثر من ثلاث وزارات في المراقبة اليومية، وهو تصريح لا يمكن تبريره بالمجاز، لأن الاتهام الصريح بالاحتيال والتلاعب في مواد مدعمة يدخل ضمن الجرائم الاقتصادية الثقيلة. من يتهم مؤسسة وطنية بـ”طحن الأوراق” لا يمارس الاستعارة الأدبية، بل يقذفها علناً في شرفها المهني.

‎أما تبرير البرلماني عبد الرحيم بوعزة، فهو أقرب إلى الإساءة الثانية لا الدفاع، لأنه يعكس انحدار الخطاب السياسي لحزبٍ لم يعد يفرّق بين البلاغة والاتهام، بين المعارضة المؤسساتية والمزايدة الشعبوية. فحين يخرج نائب برلماني ليقول إن المقصود “تعبير مجازي”، وكأن قبة البرلمان صارت منبراً للشعر لا منصة للمساءلة، فإننا أمام أزمة أخلاقية حقيقية تعري هشاشة الخطاب السياسي لدى “الجرار”، وتكشف حجم الفوضى داخل فريقه النيابي.

‎لقد أثبتت هذه الواقعة أن حزب الأصالة والمعاصرة يعيش حالة انفلات لغوي وسياسي، وأن بعض قياداته لا تملك الحد الأدنى من الانضباط ولا الوعي بخطورة الكلام داخل مؤسسة تشريعية تمثل الأمة.

‎فكيف يمكن لحزب يشارك في‎الحكومة أن يسمح لرئيس فريقه باتهام قطاع كامل بالفساد دون دليل؟ وكيف يحاول برلماني آخر تبرير الجريمة بالبلاغة اللغوية؟

‎إن ما قاله التويزي ليس “زلة لسان”، بل مؤشر على إفلاس سياسي خطير، حيث تحوّل الخطاب البرلماني إلى استعراض غوغائي لا يميز بين المعلومة والتشهير. أما البام، الذي يرفع شعار “محاربة الفساد”، فقد وجد نفسه اليوم في موقع من يمارس العبث السياسي باسم الرقابة والمحاسبة.

‎والسؤال الآن: هل يملك التويزي الشجاعة لتقديم دلائل تثبت اتهاماته؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة بائسة لركوب موجة المعارضة الشعبوية من داخل الأغلبية نفسها؟
‎ثم، ما موقع وزير العدل ووزير الفلاحة من هذا الكلام الخطير؟ وهل ستتحرك النيابة العامة للتحقيق في مزاعم التويزي أم في تضليله للرأي العام؟

‎الحقيقة أن ما جرى يكشف وجه البام الحقيقي: حزب لم يتعلم بعد أبجديات المسؤولية السياسية، يتقن لغة الصراخ بدل لغة الأرقام، ويبرع في إنتاج الضجيج بدل صناعة المواقف.

‎فحين تتحول تهمة خطيرة مثل “طحن الورق” إلى استعارة في نظر نوابه، فذلك يعني أن البام لم يعد حزبا سياسيا بقدر ما صار ورشة مفتوحة للعبث اللفظي والارتجال السياسي.