الحكومة ووزارة التجهيز تهملان الطرق القروية… وتتباهى بإنجازات حضرية بلا أثر على الهامش المغربي

تتوالى التحذيرات البرلمانية والميدانية بشأن الوضع الكارثي للطرق الإقليمية في العالم القروي، لكن الحكومة ووزارة التجهيز تواصلان – بشكل يثير الاستغراب – تجاهل هذا الملف الحيوي الذي يهم حياة ملايين المغاربة.

فرغم الخطابات المتكررة حول “تقليص الفوارق المجالية” و“تعزيز التنمية القروية”، تجد ساكنة القرى نفسها كل شتاء وجهاً لوجه مع العزلة والانقطاع ومعاناة التنقل، في غياب رؤية واضحة وصيانة جدية للمسالك الطرقية التي لم تعد تصلح حتى لعبور سيارات الإسعاف أو نقل المرضى والحوامل.

وفي جلسة الأسئلة الشفوية الأخيرة، قدّم المستشار البرلماني الخمار المرابط تشخيصاً صريحاً وصادماً لما وصفه بـ“الوجه الحقيقي” للطرق الإقليمية، حيث تعاني العديد من المسالك من تآكل كامل وضعف خطير في الصيانة، بينما تستمر الوزارة في الاحتفاء بإنجازات لا يلمس المواطن أثرها على الأرض.

ومع اقتراب موسم الأمطار، تتجاهل الحكومة النداءات المتكررة لإعطاء الأولوية للمناطق المعزولة، مكرسةً ما يشبه “منطق الإهمال الموسمي” الذي يجعل آلاف الأسر محاصرة بالثلوج والفيضانات، وكأن حقها في التنقل الكريم ليس ضمن أجندة السياسة العمومية.

الأخطر من ذلك، وفق المستشار، هو تحول بعض صفقات صيانة الطرق الإقليمية إلى مجال للربح السريع من طرف مقاولات لا تضع الجودة ولا السلامة ضمن أولوياتها، في غياب رقابة جدية من وزارة التجهيز. ويطرح هذا الوضع أسئلة محرجة حول غياب العدالة المجالية في توزيع المشاريع، واستمرار التعامل مع المناطق القروية كهوامش يمكن تأجيلها أو تجاهلها. فكيف تقبل الحكومة أن تتحول الطرق إلى مصادر خطر حقيقي على حياة المواطنين؟ وكيف يظل العالم القروي رهينة مسالك متهالكة في وقت تُخصص فيه الملايير لمشاريع أقل أولوية؟

إن الأزمة لم تعد تقنية ولا ظرفية؛ إنها أزمة حكامة وإرادة سياسية قبل كل شيء. فالمغرب الذي يتحدث عن التنمية المستدامة لا يمكن أن يسمح ببقاء مواطنيه أسرى طرق محفوفة بالمخاطر، أو مسالك تنقطع بمجرد أول زخات مطر. المطلوب اليوم محاسبة حقيقية، ورقابة صارمة، وقرارات شجاعة تُعيد للساكنة القروية حقها في طريق آمنة تحترم كرامتها وتضمن لها الاندماج في التنمية التي تتغنى بها الحكومة أكثر مما تحقق منها على الأرض.