أحمد باعلي/هاشتاغ
في خطوة جديدة تكشف حجم الارتباك الذي يطبع تدبير الحكومة لقطاع التعليم، وجّهت وزارة التربية الوطنية دعوة رسمية إلى الأساتذة المتقاعدين للعودة إلى الفصول الدراسية والانخراط في برنامج الدعم التربوي، وذلك في وقت لم يجفّ فيه بعد حبر قرارها القاضي بتحديد سن الولوج إلى مهنة التعليم في 30 سنة فقط. تناقض صارخ، وتخبط حكومي يثير أسئلة محرجة حول رؤية الإصلاح وجدّية التخطيط.
فوزارة التربية التي أقصت آلاف الشباب من حلم الالتحاق بالمهنة تحت ذريعة “رفع جودة التكوين” و”تقليص معدل الأعمار داخل القطاع”، تعود اليوم لتستغيث بخبرة أطر غادرت الفصل منذ سنوات. خطوة تصدم الرأي العام وتضع الحكومة أمام لوحة فاقعة من التناقضات: تُقصي الشباب وتستدعي المتقاعدين!
الدعوة الموجهة إلى المتقاعدين، والتي أعلنت عنها الوزارة عبر منصاتها الرسمية، تبررها بـ“الحاجة الميدانية الملحة لتعزيز الموارد البشرية”، وهو اعتراف غير مباشر بعجزها عن توفير العدد الكافي من المدرسين رغم المباريات التي نظمتها وقراراتها المثيرة للجدل بخصوص السن.
كيف يمكن لحكومة تتحدث عن إصلاح شامل أن تُقصي كفاءات شابة قادرة على العطاء لثلاثة عقود قادمة، ثم تتجه مباشرة إلى أبواب المتقاعدين لطلب النجدة؟ وأي رؤية إستراتيجية هذه التي لا تصمد سوى بضعة أشهر قبل أن تتراجع عنها تحت ضغط الواقع؟
في الوقت الذي ينتظر المغاربة فيه سياسات تعليمية واضحة، متناسقة، ومنسجمة مع حاجيات المدرسة العمومية، يجدون أنفسهم أمام مسلسل من التجارب المرتبكة والقرارات المتسرعة. فمن تحديد سن الولوج في 30 سنة، إلى الارتباك في اعتماد نظام التعاقد، وصولًا إلى هذا القرار الذي يظهر تخبطًا في تدبير الموارد البشرية… كل ذلك يعكس غياب رؤية بعيدة المدى.
الوزارة تعتبر المتقاعدين “رصيدًا مهمًا” لدعم التعلمات، وهذا صحيح. لكن السؤال الأهم: لماذا لا تعتبر الوزارة الشباب أيضًا رصيدًا مهمًا؟ ولماذا لا تفتح الباب أمامهم بشروط عادلة بدل إغلاقه ثم البحث عن حلول ترقيعية؟
إن دعوة المتقاعدين إلى العودة للتدريس ليست في حد ذاتها خطأ، بل قد تكون حلًا مؤقتًا في ظروف استثنائية. لكن الخطأ الحقيقي يكمن في التناقض الصارخ بين الخطاب والممارسة، وبين ما تعلنه الوزارة من توجهات وما تقوم به على أرض الواقع.
ختامًا، يظهر أن قطاع التعليم يعيش اليوم بين مطرقة العجز الحكومي وسندان غياب التخطيط. وبينما يتحدث المسؤولون عن “المدرسة الجديدة”، يتعزز لدى الرأي العام انطباع مفاده أن ما نراه ليس إلا سياسة ارتجال لا إصلاح، وأن المواطن ما زال ينتظر قرارات عقلانية تُصلح ولا تُربك، تُوحد ولا تُناقض.






