خالد بوبكري
في الوقت الذي أطلقت فيه وزارة الداخلية نقاشات واسعة لتعديل القوانين الانتخابية استعداداً لانتخابات 2026، بهدف تعزيز النزاهة والشفافية وإعادة الثقة للمغاربة—وخاصة الشباب—في العمل السياسي يطفو إلى السطح ملف معقد تتعمد الأحزاب تجاهله وتجد الدولة صعوبة في ضبطه، يتعلق الامر بتجارة التزكيات وتحولها إلى بورصة سياسية سوداء.
ورغم أن إصلاح المنظومة القانونية خطوة مهمة فإن عملية مراقبة كيفية منح التزكيات داخل الأحزاب تبقى شبه مستحيلة، مما يستدعي إدراج ميثاق أخلاقي صارم بين الأحزاب المغربية لضمان الحد الأدنى من النزاهة الداخلية.
ففي عدد من الأحزاب لم تعد التزكية تمنح وفق الكفاءة أو التاريخ النضالي أو الحضور الترابي بل وفق روابط القرابة، الولاءات الداخلية، والزبونية الحزبية.
أما الأخطر فهو المال؛ فقد تحولت التزكية لدى بعض الزعماء إلى سلعة تباع بالملايين وتسلم لمن يدفع أكثر، ولو كان بلا رصيد سياسي أو تواصل فعلي مع المواطنين.
وإذا كانت تجارة التزكيات فضيحة قديمة فإن الجديد اليوم أخطر وأشد صدمة ألا وهو: “بيع الطرد الحزبي”.
فقد علمت من مصادر مطلعة أن زعيم حزب معارض وقّع على قرار طرد عضو في مجلس المستشارين بمقابل مالي، فقط لأن هذا الأخير يرغب في الترشح باسم حزب مشارك في الحكومة خلال انتخابات 2026.
أي أن الطرد الذي يفترض أن يكون قراراً تأديبياً أخلاقياً وتنظيمياً، أصبح هو الآخر ورقة للمقايضة والبيع، لفتح الطريق أمام مستثمر انتخابي يبحث عن اللون السياسي الأكثر ربحاً.
هكذا تتحول الأحزاب من مؤسسات يفترض أنها تؤطر المواطن إلى دكاكين تبيع التزكية… وتبيع حتى الطرد، فكيف يمكن الحديث عن انتخابات نزيهة بينما التزكية التي هي المدخل الأول للعملية الانتخابية تخضع لمنطق البيع والشراء؟ وكيف يمكن أن يثق الشباب في السياسة بينما زعماء أحزاب يحولون التنظيمات إلى “بورصة” يتحكم فيها المال فقط؟
ملف التزكيات وبيع الطرد ليس تفصيلاً ولا حدثاً عابراً، بل قنبلة سياسية تهدد مصداقية انتخابات 2026 برمتها. إذا استمرت هذه الممارسات دون رادع، فإن كل النقاش القانوني الذي تقوده وزارة الداخلية سيبقى بلا أثر، لأن الفساد يبدأ من داخل مقرات الأحزاب قبل أن يصل إلى صناديق الاقتراع.






