أحمد باعلي/هاشتاغ
منذ اللحظة التي تولّى فيها عزيز أخنوش رئاسة الحكومة وقيادة التحالف الثلاثي، بَدا واضحاً أنّ الرجل بنى هندسة سلطته على شبكة واسعة من الدعم السياسي والتنظيمي والإعلامي.
اخنوش اعتمد على كتلة برلمانية مريحة ورؤساء جهات وجماعات، إضافة إلى أحزاب من المعارضة والنقابات التي اختارت—بشكل مباشر أو غير مباشر—تخفيف نبرة المواجهة وتسهيل مرور قراراته.
إمبراطورية أخنوش المالية وشبكة علاقاته الاقتصادية سهّلت له كسب دعم جزء من الصحافة وقطاع من المؤثّرين الرقميين، لتقديم صورة براقة للحكومة وتلميع قراراتها وتدبيرها.
وقد بدا وكأن رئيس الحكومة محاط بدرع سياسي وإعلامي ومالي غير مسبوق في تاريخ الحكومات المغربية.
لكن ما لم يكن متوقعاً أن هذه الإمبراطورية، بكل ما فيها من نفوذ وامتداد، ستتعثر أمام شخصين فقط من فريق العدالة والتنمية: عبد الله بوانو ومصطفى الإبراهيمي.
بوانو والإبراهيمي تحوّلا خلال الأشهر الأخيرة إلى أبرز الأصوات المعارضة ذات التأثير القوي، بعد أن كشفا ملفات ثقيلة أربكت الحكومة وخلخلت صورتها أمام الرأي العام.
هذه الملفات لم تقتصر على انتقادات سياسية عادية، بل حملت اتهامات مفصلة حول:
صفقات تحلية المياه وما رافقها من شبهات مالية وسياسية.
قضية “الفراقشية” المرتبطة بدعم استيراد المواشي، والتي خلفت صدمة لدى الرأي العام.
صفقات قطاع الصحة التي مُنحت لشركة تابعة لوزير التربية الوطنية.
هذه القضايا شكلت ضربات سياسية مباشرة لإمبراطورية أخنوش، وأزالت الكثير من “مساحيق التجميل” التي رافقت صورة الحكومة في الإعلام والشبكات الاجتماعية.
اللافت في هذه المواجهة السياسية أنّ بوانو والإبراهيمي لم يحرجا الحكومة فحسب، بل وضعا أحزاب المعارضة أمام مرآة غير مريحة، فالأحزاب التي كانت تدّعي لعب دور المعارضة اختارت—في محطات كثيرة—الصمت أو التخفّي، تاركة ساحة المواجهة الحقيقية فارغة.
وعندما تتفجر الملفات الحساسة التي تهزّ الحكومة، تختار هذه الأحزاب الصمت، بينما يواصل عضوا العدالة والتنمية توجيه الأسئلة، نشر الوثائق، وفتح الملفات الكبرى التي تُحرج السلطة التنفيذية.
النقابات بدورها لم تكن بمنأى عن هذا الإحراج، بعدما بدا أنها تفضل التعامل الهادئ مع الحكومة بدل مواجهة الملفات التي تهم القدرة الشرائية وحقوق الشغيلة.
ورغم قوة التحالف الحكومي، والدعم السياسي الواسع، والغطاء الإعلامي والمالي الذي رافق تجربة أخنوش منذ بدايتها، إلا أنّ المشهد اليوم يكشف هشاشة غير متوقعة حيث أن إمبراطورية سياسية واقتصادية سقطت أمام نَفَس معارض من شخصين فقط، استطاعا إعادة ترتيب أجندة النقاش الوطني، وكشف التناقضات التي كانت تختبئ خلف الخطاب الرسمي.
وبينما تستعد البلاد لمواعيد سياسية كبرى، يبدو واضحاً أن الحكومة ليست وحدها المعنية بهذه الهزّات، بل المعارضة أيضاً، التي فشلت في لعب دورها الدستوري، ليتركها بوانو والإبراهيمي أمام حقائق محرجة لا يمكن تجاهلها.






