بقلم: مريم السوعدي
ما أجملَ المكانَ الذي يَخلو من ضجيج البشر! وما أروعَ ذلك الهدوءَ الأزرق الذي تَهبه شفشاون لزوّارها منذ اللحظة الأولى!

إنها ليست مدينةً عادية، بل لوحةٌ فنيةٌ مفتوحة على السماء، يغمرها زرْقٌ ناعم يمتد من الجدران إلى الدروب، ومن النوافذ الخشبية العتيقة إلى سلال الزهور المتدلية من الشرفات.

في المدينة العتيقة، يشعر الزائر وكأنه يسير داخل حلم. الأزقة ضيقة، لكنها تتسع بالسكينة، والبيوت متراصة كأنها تعزف لحنًا موحّدًا بلون البحر. رائحة الخشب العتيق تمتزج بعبق النعناع والشاي، بينما تتسلل إلى الأذن همسات الماء المتدفق من السقايات التقليدية، وكأنها موسيقى خافتة ترافق المسافر خطوةً بخطوة.

وما أبهى سِحرَ المكان حين يَخلو من صَخَبِ البشر! في ساعات الصباح الأولى، حين تلمس الشمس قمم الريف وتنعكس على الواجهات الزرقاء، تبدو شفشاون وكأنها مدينة توقفت فيها عقارب الزمن.
يصعد الضوء ببطء من سفح الجبل إلى قلب المدينة، فيمنح الدروب لونًا أكثر عمقًا، ويُبرز تفاصيلَ جمالية لا تنتبه لها العين في ساعات الذروة.

وعند صعود المارّ إلى رأس الماء، تتكشف أمامه صورةٌ أكثر شاعرية: الطبيعة تتحدث، والنسيم يهمس، والماء ينساب من بين الصخور بصفاء يجعله مرآةً تعكس زرقة المدينة. هناك، يتوقف الزوار لالتقاط أنفاسهم، ليس من التعب، بل من فرط الدهشة.

وفي المساء، حين تخفت الحركة وتضاء المصابيح الصفراء على طول الأزقة، تتحول شفشاون إلى قصيدة ضوء. الهدوء يخيّم، والمدينة تبدو كعروسٍ تستعد لليلة هادئة، لا يَسمع فيها المرء سوى صوت خطواته وهي ترتطم بالحجر الأزرق.

شفشاون ليست مجرد وجهة سياحية، بل حالة شعورية. مدينة تمنحك فرصة نادرة لتستمع إلى نفسك، بعيدًا عن الفوضى وضجيج العالم.
ومن يزُرها مرة، يدرك جيدًا أن السكينة يمكن أن يكون لها لون… ولونها هو الأزرق الشفشاوني.