تشريع انتخابي “مرعوب” من الشباب!

بقلم :حميد الأمراني
لا يحتاج المتتبع لكثير من الذكاء ليفهم أن التعديل الانتخابي الأخير ليس تحييناً قانونياً ولا تنظيماً مالياً للحملات بل هو هندسة سياسية دقيقة لإخراج الشباب من المعادلة قبل أن يفكروا حتى في دخول المنافسة.

إنه قانون مصاغ بروح تشبه الألغام الأرضية حيث لا يظهر خطره من بعيد لكنه ينفجر في وجه كل مبادرة شبابية مستقلة وطموح مشروع.

فاللجنة البرلمانية مررت شرطا لا يقبله عقل سياسي سليم حيث يشترط في المترشح الشاب المستقل أن يحصل على 5% من مجموع المسجلين—وليس المصوّتين— ليسترجع جزءاً من مصاريف الحملة التي قد تصل إلى 50 مليون سنتيم.

هل هو تشريع انتخابي؟ أم امتحان تعجيزي مصمم بدقة لطرد أي شاب يفكر في المنافسة خارج عباءة الأحزاب؟

وهكذا ترسل الأحزاب رسالة واضحة إلى الشباب: السياسة ليست لكم… البرلمان ليس لكم… ابقوا متفرجين فالباب ليس مغلقاً فقط، بل محكم الإغلاق بالباطون المسلح، فتحته لا تسمح إلا بمرور الكبار أو المحسوبين.

يقال إن الدولة ستدعم الشباب بنسبة 75% لاسترجاع مصاريف حملاتهم.
لكن التعديل الأخير يجعل هذا الوعد مجرد خدعة سياسية:
دعم على الورق…
تنكرٌ في الواقع…
ووعود لا تصلح سوى لبلاغات صحفية وندوات بروباغندا.

إنه تشجيع صوري، تلميع إعلامي، بينما الرسالة الحقيقية هي لا نريد شبابا في السياسة… نريدهم فقط في الملصقات والخطب.

اللجنة اكتفت بتبريرات فضفاضة عن ضبط النفقات ومحاربة الفساد الانتخابي، لكن الجميع ينتظر المرسوم الحكومي الذي قد يزيد الطين بلة.
مرسوم قد يكون الضربة بلة. مرسوم قد يكون الضربة القاضية لما تبقى من أمل لدى الشباب في دخول اللعبة السياسية.

إنه تشريع يبنى كالسجون، أسوار عالية، أبواب مصفحة، وممر واحد يؤدي إلى غرف قد محجوزة للكبار واصحاب الاموال والنفود.

في العمق، نحن أمام منظومة سياسية تخاف التغيير، وأحزاب ترتعب من المنافسة الحقيقية، وطبقة سياسية تتقن صناعة قوانين تعاقب كل من يخرج عن الطريق الرسمي.

بهذه المنهجية، يتحول البرلمان إلى نادٍ مغلق، يدخله نفس الوجوه،
تُعاد فيه نفس الخطابات، ويمنع عنه الأكسجين الذي اسمه الشباب.