هاشتاغ
تواصل وكالة التنمية الرقمية السير عكس الاتجاه الوطني الذي يدعو إلى ترشيد النفقات ومحاصرة تبديد المال العام، بعدما أطلقت طلب العروض الدولي المفتوح رقم 16/2025 المتعلق بـ”تهيئة فضاءات العرض الخاصة بتنظيم النسخة الرابعة من معرض GITEX Africa Morocco بمراكش سنة 2026”، بكلفة تقديرية صادمة تبلغ 80.700.000 درهم، أي أكثر من 8 مليارات سنتيم من المال العام، فقط من أجل إعداد أجنحة، وخيام، وأرضيات، وإضاءة، وتهيئة مواقع عرض في معرض تجاري لم يسبق أن قدم نتائج ملموسة للمغرب، لا على مستوى الاستثمار ولا على مستوى التحول الرقمي الذي يفترض أن الوكالة مسؤولة عنه.
وتكشف تفاصيل الصفقة، حجم التضخم في النفقات وحشد بنود عامة تحت بند “Forfait”، دون تبرير تقني واضح، ابتداء من “تهيئة الفضاء”، “الحصول على الرخص”، “تركيب الخيام”، “التجهيز الكهربائي”، “الإضاءة الداخلية والخارجية”، “النجارة الفنية”، “السيمفونية الصوتية”، وصولًا إلى “صيانة الموقع”، “تزيين الفضاء بالنباتات”، و”الإعداد اللوجستيكي الموازي”، وجميعها مذكورة بصيغة فضفاضة تسمح برفع الكلفة إلى حدود قصوى دون مراقبة دقيقة.
الأدهى أن مابين سطور الصفقة يكشف أنها قد تكون موجهة لفئة محددة وواضحة من الشركات، وسط أسئلة عميقة عن شفافية المنافسة ونزاهة توزيع الصفقات العمومية في قطاع يوصف بأنه من الأكثر عرضة للاختلالات بسبب غياب مؤشرات قياس الأثر.
فالوكالة، التي يفترض أنها الذراع الرقمي للدولة، تقدم من جديد نموذجًا لما يمكن وصفه بـ”الرقمنة على الورق”، حيث تُصرف عشرات الملايين على معارض دولية وصور مزيّنة وممرات مضاءة، في حين يقف المواطن أمام شبابيك الإدارات بملفات ورقية وأختام زرقاء، وينتظر ساعات أمام منصات رقمية تتعطل كلما اقترب موعد امتحان أو مباراة أو طلب إداري بسيط.
ولا يخفي العديد من الفاعلين أن معرض GITEX، رغم حجمه التجاري والإعلامي، لم يُحدث أي نقلة وطنية في الابتكار أو الاستثمار، ولا توجد أرقام رسمية تُظهر أن دولة صرفت الملايين عليه حصلت في المقابل على نقل تكنولوجيا، أو شركات ناشئة مغربية انتقلت بفضله إلى العالمية، أو مشاريع تحولت من عرض ترويجي إلى واقع اقتصادي. ما حصل هو العكس تمامًا: أروقة فخمة، وفود رسمية تُلتقط لها الصور، وسيل من البلاغات، بينما تستمر الوكالة في تكريس نمط تدبير يضع المظاهر فوق النتائج.
وتزداد الأسئلة إلحاحًا عندما يتعلق الأمر بظرفية اقتصادية دقيقة، وحرص ملكي سامي على ترشيد النفقات وتوجيه المال العمومي نحو الاستثمارات الاجتماعية والقطاعات الحيوية. لكن وكالة التنمية الرقمية يبدو أنها تشتغل في عالم موازٍ، لا يعير اهتمامًا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ولا يتفاعل مع الدعوات المتكررة إلى عقلنة ميزانية الدولة وإعادة ترتيب الأولويات.
في ظل هذا الوضع، تصبح صفقة 16/2025 انعكاس لبنية كاملة تُعيد إنتاج نفس الاختلالات كل سنة، وتكرر نفس منطق “الإنفاق من أجل الصورة”، بدل “الاستثمار من أجل المواطن”. وبينما ينتظر المغاربة إدارة رقمية حقيقية، ومساطر مبسطة، وخدمات سريعة، تختار الوكالة تخصيص أكثر من 80 مليون درهم لبناء فضاءات مؤقتة ستُفك بعد انتهاء المعرض.
إنها قصة رقمية بلا رقمنة… ومعرض بلا مردودية… وميزانية بلا أثر… ومؤسسة عمومية تُصر على أن تبقى بعيدة كل البعد عن واقع البلاد.





