هاشتاغ
لم تكن خرجة عبد الله البقالي، النقيب السابق للصحافيين ورئيس لجنة بطاقة الصحافة، سوى حلقة جديدة في مسلسل الهروب إلى الأمام الذي يمارسه بعض الوجوه التي استثمرت لسنوات في موقع “الحكماء”، قبل أن تنهار البناية فوق رؤوسهم.
فالتشويق المصطنع الذي رافق إعلانه عن كشف حقائق لجنة الأخلاقيات انتهى إلى خطاب باهت أقرب إلى تبرير ذاتي مرتبك منه إلى كشف حساب مهني مسؤول.
البقالي الذي حاول الظهور في ثوب الضحية الحكيم، خرج ليقول بلغة السياسي لا الصحافي إنه كان صاحب موقف مؤيد لكل من تعرض لـبطش اللجنة وأنه دفع ثمن ذلك بمحاصرته داخلها.
لكن الحقيقة أن هذه الشهادة المتأخرة لا قيمة لها بعد أن سقطت الأركان وانهار البناء الأخلاقي الذي كان يفترض أن يحمي المهنة، فالجميع يعرف أنه حين تغرق السفينة يكثر الذين يعلنون أنهم كانوا يرون الثقوب في الجدران منذ البداية.
خرجة البقالي لا يمكن قراءتها إلا باعتبارها محاولة يائسة للتموقع من جديد، عبر قول إنه “ليس مثلهم”، وأنه أكثر حكمة ورصانة من كل الذين شاركهم لسنوات نفس الطاولة ونفس القرارات.
لكن هذا الخطاب لا يمحو سؤالاً مركزياً: إن كان الرجل يملك كل هذه الحكمة، فأين كانتت عندما كان المجلس الوطني للصحافة يحكم على صحافيين دون شكايات، كما قال هو نفسه، وباجتهادات ذاتية تطبق على غير المرغوب فيهم فقط؟
القضية التي أشار إليها والمتعلقة بالصحافي حميد المهداوي ورغم أهميتها، ليست سوى جزء من الصورة الأكبر: مجلس يفترض فيه التنظيم الذاتي، لكنه تحول حسب اعترافات البقالي ذاته إلى جهاز تصفية مهنية، يشد المشنقة على رقاب من يخرج عن الخط.
لكن السؤال الأخطر: هل توقف دور البقالي عند حالة المهداوي فقط؟ أم أن ذاكرته الانتقائية قررت أن تُبقي الجزء الأكبر في الظل؟
البقالي اختار توقيت العاصفة للركوب على موجة الغضب، مقدماً خرجة نصف ساعة بصيغة: “استجبت لضغط الأصدقاء والمتابعين”، وكأن الأمر مجرد بث مباشر عابر وليس شهادة تورط صاحبها قبل أن تدين المجلس ولجانه وتنظيمه الذاتي كاملاً.
كيف يكون شخص رئيساً للجنة بطاقة الصحافة دون صلاحيات؟ وإن لم يكن يملك القرار، فلماذا ظل في موقعه؟ ولماذا لم يستقل؟ ولماذا صمت سبع سنوات؟
الأخطر أن البقالي حاول النجاة بـالغنم وترك “الغُرم” لشركائه في اللجنة المؤقتة وكأنه لم يكن جزءاً من المنظومة ذاتها، وكأن المهنة لم تسحق تحت قرارات شارك في صناعتها أو على الأقل صمت عنها.
في النهاية، خرجة البقالي ليست كشفاً للحقيقة بل محاولة لخلق مزيد من الضبابية والالتباس حول سبع سنوات من التحكم في رقاب الصحافيين.
إنها مناورة متأخرة لا تحصّن صاحبها من مسؤولية تاريخية، ولا تُعيد الثقة لمشهد صحافي أنهكته لجان وقرارات و”حكماء” لم يحكموا سوى على المهنة بالتراجع.






