مولاي أحمد الأمراني/تنغير
مع اقتراب نهاية شهر دجنبر، يدخل المغرب مرحلة “الليالي”، وهي فترة تمتد لأربعين يومًا، وتعد العمود الفقري لفصل الشتاء. وتتميز هذه المرحلة بقصر النهار وطول الليل، وانخفاض ملموس في درجات الحرارة، ما يجعلها نقطة فاصلة بين الموسم الفلاحي المنصرم والموسم القادم.
خبراء المناخ يؤكدون أن “الليالي” تتزامن مع الانقلاب الشتوي في 21 دجنبر، حيث تسجل أقصر أيام السنة وأطول لياليها، بفعل ضعف الإشعاع الشمسي الواصل إلى المغرب. هذا التغير الطبيعي يؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة ويحدد أنماط الطقس لفترة الشتاء، ما يؤثر مباشرة على الأرض والمحاصيل الزراعية.
الفلاحون المغاربة يعتبرون هذه المرحلة مرحلة حاسمة، فهي قد تُنقذ الموسم الفلاحي أو تعقّد مساره. فالأمطار المنتظمة خلال “الليالي” تساهم في تحسين مخزون المياه في التربة والسدود، وتعزز نجاح الزراعات الخريفية والشتوية، بينما تشكل البرودة القاسية تحديًا لمحاصيل حساسة قد تتعرض للصقيع في المناطق الجبلية والداخلية.
ويعتمد التقويم الفلاحي التقليدي المغربي على هذه الفترة لتحديد مواعيد الزراعة والري والحصاد، باعتبارها مرحلة تحدد جودة الإنتاج ومستوى الأمن الغذائي في الموسم القادم.
في الذاكرة الشعبية المغربية، تُحيط بالليالي أساطير وحكايات تنقل من جيل إلى جيل. يروي الفلاحون قصصًا عن الرياح الباردة التي تحمل معها رسائل الطبيعة، وعن الأيام الطويلة التي تمنح الأرض فرصة لاستعادة عافيتها قبل موسم الزراعة الجديد.
وتنقل بعض الحكايات عن جدّات المغرب، أنّ “الليالي الأربعون” تحمل في طياتها أسرار الحصاد ونجاح المحاصيل، وأن من يتعامل مع الأرض بحكمة خلال هذه الفترة، يحصد خير السنة بأكملها. كما ترتبط هذه الأساطير بالطقوس التقليدية، مثل حماية البذور من الصقيع وقراءة علامات السماء لتوقع موسم مطري مناسب.
تمثل “الليالي” اليوم حلقة وصل بين العلم والخيال، حيث توثق البيانات المناخية ونتائج الفلاحين أهمية الأمطار والبرودة، فيما تحافظ الأساطير الشعبية على طابعها الرمزي في الثقافة المغربية. إنها فترة يجتمع فيها الوعي البيئي والفلاحي مع التراث الشعبي، لتصبح تجربة معرفية وفنية في آن واحد.
وبين تقلبات الطقس، وأمل الفلاحين، وألوان الخيال الشعبي، تبقى “الليالي” علامة مميزة في التقويم السنوي المغربي، مرحلة تحدد مسار الزراعة وجودة المحاصيل، وتذكر الجميع بعلاقة الإنسان العميقة بالطبيعة وبإرثه الثقافي.
