جريمة صامتة في قطاع الصحة: دواء السرطان بـ34 ألف درهم

هاشتاغ
مرة أخرى، يجد وزير الصحة والحماية الاجتماعية نفسه في قلب عاصفة سياسية وأخلاقية، بعدما انفجر ملف غلاء أدوية الأمراض المزمنة والسرطانية داخل قبة البرلمان، كاشفاً بالملموس فشل الوزارة في حماية المرضى، وتحويل الحق الدستوري في العلاج إلى امتياز طبقي لا يناله إلا القادرون مادياً.

ففي خطوة تشريعية تفضح المستور، نقل خالد السطي، المستشار البرلماني عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، معاناة آلاف المرضى إلى البرلمان، مسلطاً الضوء على الارتفاع الصادم لأسعار أدوية حيوية، في مقدمتها دواء ZYTIGA CO 250MG المخصص لعلاج بعض أنواع السرطان، والذي يبلغ ثمنه حوالي 11.451 درهماً للعلبة الواحدة، أي أزيد من 34 ألف درهم لثلاث علب فقط. أرقام فلكية لا يمكن وصفها إلا بأنها حكم بالإعدام البطيء على المرضى الفقراء.

هذا الواقع الكارثي يطرح سؤالاً مركزياً لا مفر منه: أين وزير الصحة من معاناة مرضى السرطان؟ وأين هي وعود “الدولة الاجتماعية” و”تعميم الحماية الاجتماعية” حين يعجز المريض عن شراء دوائه، ويُترك لمواجهة المرض بجيبه الفارغ؟

السطي لم يُخفِ غضبه، ووجّه سؤالاً كتابياً مباشراً لوزير الصحة، مطالباً إياه بالكشف عن المعايير المعتمدة في تسعير هذا الدواء، والأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا الارتفاع المهول. غير أن ما يثير الاستياء أكثر، هو الصمت الحكومي المطبق، وغياب أي إجراءات ملموسة لوقف نزيف الأسعار الذي يستنزف الأسر المغربية، خصوصاً تلك التي تعيش أصلاً تحت ضغط الغلاء وتراجع القدرة الشرائية.

الأخطر من ذلك، أن وزارة الصحة، المفترض فيها حماية المرضى، تبدو عاجزة – أو غير راغبة – في فرض رقابة صارمة على أسعار الأدوية الحيوية، وترك المجال مفتوحاً أمام منطق السوق والربح، حتى عندما يتعلق الأمر بأدوية منقذة للحياة. فكيف يُعقل أن يُترك مريض السرطان رهينة تسعيرة لا ترحم، في بلد يرفع شعار العدالة الاجتماعية؟

وطالب السطي الوزير بالكشف عن الإجراءات العاجلة التي تنوي الوزارة اتخاذها لخفض أسعار الأدوية الباهظة، أو إدراجها ضمن لوائح الأدوية المدعمة أو القابلة للتعويض بشكل عادل. كما تساءل عن مصير المرضى اليوم، لا غداً، وعن التدابير الاستعجالية التي من شأنها ضمان ولوجهم المستمر للعلاج، بدل الاكتفاء بخطابات رسمية جوفاء لا تُسمن ولا تُغني من وجع.

إن استمرار هذا الوضع لا يمكن اعتباره مجرد اختلال تقني أو ظرفي، بل فشلاً سياسياً وأخلاقياً تتحمل فيه وزارة الصحة المسؤولية الكاملة. فحين يصبح ثمن الدواء أعلى من قدرة المريض على الحياة، فإن الدولة تكون قد أخفقت في أبسط واجباتها.

وفي ظل هذا الصمت الثقيل، يترسخ لدى الرأي العام انطباع خطير: وزير الصحة غائب عن معركة حقيقية، معركة إنقاذ المرضى من جشع الأسعار، ومعركة تحويل الحق في العلاج من شعار دستوري إلى واقع ملموس. فإلى متى يُترك المغاربة وحدهم في مواجهة المرض… والغلاء؟