اعتبر الأستاذ الجامعي والباحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس أن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي تحول إلى فرملة وتحييد دور المعارضة السياسية التي تنشط داخل المؤسسات، مما نتج عنه تراجع بل استقالة الوساطة المؤسساتية منها السياسية والمدنية والنقابية فأصبحت المعارضة الحقيقية والفعلية تتموقع خارج المؤسسات والبنيات المنظمة لترسو في أول الأمر في الشارع في بعده الوطني والجهوي والترابي كموقع للاحتجاج.
1- هل ترون أن مواقع التواصل الاجتماعي وضعت الفاعل السياسي في المغرب تحت الضغط، وأدت إلى تصريف “بديل” للقرارات العمومية وكذا السياسات العمومية؟
نعم لقد اضطلعت مواقع التواصل الاجتماعي بدور مغاير وجديد لاسيما منذ انطلاق حركة 20 فبراير إذ انتقلت من وسيلة لتناقل الأخبار والتعارف والتفاعل الافتراضي حول بعض القضايا إلى آلية للتعبئة والضغط من خلال تنظيم وإبداع الأشكال الاحتجاجية (المسيرات – الوقفات – وصلات فيديو – الهاشتاكات – الصور – الكاريكاتير – الفوتوشوب…) وتشارك الوقائع ذات الحساسية السياسية والمجتمعية والاتفاق على الشعارات والخطابات المؤطرة. ما أدى إلى ظهور ثقافة مضادة ترتكز على إنتاج واقتراح بدائل للسياسات العمومية من خلال ديمقراطية افتراضية تشاركية عفوية وأحادية تروم تصويب التوجهات السياسية وأجرأة وتفعيل المخططات التنموية.
2- هل تشاطرون الرأي القائل بأن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي أصبح يتجاوز المعارضة السياسية الكلاسيكية في المؤسسات العامة؟
تماما لقد أدى تأثير مواقع التواصل إلى فرملة وتحييد دور المعارضة السياسية التي تنشط داخل المؤسسات، مما نتج عنه تراجع بل استقالة الوساطة المؤسساتية منها السياسية والمدنية والنقابية فأصبحت المعارضة الحقيقية والفعلية تتموقع خارج المؤسسات والبنيات المنظمة لترسو في أول الأمر في الشارع في بعده الوطني والجهوي والترابي كموقع للاحتجاح (الرباط – الحسيمة – زاكورة – جرادة – أزيلال – بوعرفة…) لتمر مع المقاطعة إلى العالم الافتراضي وتنتقل من معارضة واقعية إلى معارضة افتراضية تعتمد منطقا منفتحا على جميع الحساسيات المجتمعية وآليات تواصلية وخطابية وتوافقات متعددة الجوانب تجاوزت مفعول وتأثير المعارضة السياسية الكلاسيكية بل أصبحت هذه الأخيرة تابعة لها ولنبضها وإيقاعاتها لاسيما إذا تمت الإحالة على بعض الوقائع منها لا للحسر اعتذار الحكومة وتناقل بعض القنوات الرسمية لأخبار وتفاصيل المعارضة.
3- ما هي البدائل في نظركم لكي لا يصبح الفاعل السياسي تحت رحمة فاعلين وراء الشاشات والدين يصعب ضبط رغباتهم ومطالبهم. نموذج مقاطعة ثلاث منتجات استهلاكية؟
في الوقت الراهن هناك حاجة مجتمعية لتلبية مطالب المقاطعة لإعادة الثقة بين المواطنين (الذين تحولوا إلى مواطنين افتراضيين) والدولة عبر تفعيل عمل بعض المؤسسات لاسيما منها مجلس المنافسة وربط المسؤولية بآليات المحاسبة والتركيز على القيم المادية ومنها خصوصا التعليم والصحة والشغل والأمن لكن يتضح أنه من الضروري على الفاعل السياسي أن يستبق التفاعلات الافتراضية حول الراهن المغربي لكي لا يصبح في حالة شرود في علاقته مع المواطنين الذين تحولوا من المواطنة الكلاسيكية (الواقعية) إلى المواطنة الجديدة (الافتراضية) ويشتغل على منطقها ويغوص في آلياتها ويخبر تداعياتها ليتمكن من استشراف مآلاتها واقتراح وإقرار السياسات العمومية الملائمة للمرحلة.
4- هل ترون أن احتجاج الشاشات يمكن أن يحجب احتجاج الشارع الكلاسيكي؟
هناك توجه واضح في القادم من الأيام إلى تعويض احتجاج الشارع باحتجاج الشاشات أو ما أسميه بالاحتجاج الرقمي مع أن بعض البنيات والفئات المجتمعية مازالت تؤمن بأن الاحتجاج الواقعي في الشوارع (مثال مسيرات الأساتذة المتعاقدين أو الممرضين أو الأطباء أو عمال بعض الشركات…) لايزال يمثل آلية نضالية للضغط والتحاور والدفاع عن المكتسبات وتحقيق المطالب. في هذه الحالة هل يشكل احتجاج الشاشات أداة مساعدة ومواكبة لاحتجاج الشارع الكلاسيكي؟ أم أنه أمام عدم فاعلية احتجاج الشارع ستعمد هذه الفئات إلى نهج احتجاج رقمي لتفادي المواجهة المباشرة مع السلطات وجر الفاعل المؤسساتي إلى معترك العالم الافتراضي الذي لم يخبر بعد متاهاته وتحدياته.
5- وهل تؤكدون أن القرارات العمومية يمكن أن تتصاغر أمام هذا الاحتجاج الإلكتروني؟
لا يمكن تأكيد أو نفي مقولة أن القرارات العمومية يمكن أن تتصاغر أو تضعف أو تستسلم أمام الاحتجاج الإلكتروني في الحالة المغربية لأن هذا الرهان يرتبط بالسياقات المجتمعية والديناميات السياسية وكذلك بالتعاقدات المؤسساتية فعلى سبيل المقارنة هناك عدة أحداث في بعض الدول مثل أمريكا حيث تمكن الاحتجاج الرقمي من أن يؤثر على قرارات بعض المؤسسات (شركات طيران ومؤسسات الخدمات العمومية…). من هذا المنطلق يمكن للقرارات العمومية في الحالة المغربية أن تستسلم وتتصاغر أمام الاحتجاج الرقمي إذا ما أصبح هذا الأخير يشكل خطرا وتهديدا على منظومة العيش المشترك ورهانات التماسك الاجتماعي.