إلياس العماري..كل الطيور على أشكالها تقع

هاشتاغ

عندما وطأت قدما الياس العماري المعترك السياسي ،لم يكن ينوي او يظن انه في يوم من الايام سيتحول الى بارون سياسي يصول ويجول ، يوجه و يتحكم في اعتى الاحزاب السياسية الوطنية ، و يمارس سطوته على كافة مراكز القوة داخل الدولة ، من مؤسسات و مرافق حيوية و شخصيات يقام لها و يقعد .

الياس الفتى الريفي الذي ظهر فجأة كمركز للعمل السياسي الرسمي بالبلاد ، يجر وراءه سنوات عديدة من التناقضات المحيرة و مساحات رمادية كبيرة ، تطرح مجموعة من الاسئلة حول الرجل ، من يكون ؟ و كيف ظهر ؟ و كيف وصل لما وصل اليه ؟

الياس الذي بدأ حياته السياسية “كمعارض” يساري لنظام الحكم ،انخرط منذ رعيان شبابه في كل الاشكال التنظيمية اليسارية الفاعلة في توجه المعارضة ، فالرجل لم يخفي ميولاته الجمهورية خلال هذه الفترة ،كما لم ينكر تورطه في مجموعة من الاعمال الموجهة لقلب نظام الحكم .

خلال هذه الفترة ، تميز الياس بنشاط و دينامية ميدانية مبهرة ، لكن كل من جايله و عاصره خلال هذه الفترة يؤكد على ان ميزة الغموض و الابهام ظلت لصيقة به في كل ما كان يقوم به ، فالكل يعترف له بنضاله الفعلي لكن الكل يربط هذا النضال بالغموض الذي يلف شخصيته و ممارسته .

إلياس المعارض الشرس و الجمهوري الهوى ، سيبدأ في تقليص مساحات الغموض فيما يخص اختياراته السياسية ، مباشرة بعد حكومة التناوب بقيادة الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي اذ سيصبح كظل ظليل لمجموعة من أعضائها و ابرزهم احمد الحليمي ، و ستتقلص اكثر هذه المساحات إبان زلزال الحسيمة سنة 2004 ، حيث سيظهر كمنسق فعلي و ميداني لعمليات الإغاثة و الغوث ، يتحكم في ادق تفاصيلها و تدابيرها .

بروز الاختيارات السياسية الجديدة لالياس العماري ، ستبدو مكتملة الصورة بشكل جيد ، مع تجربة الانصاف و المصالحة ، حيث سيصبح الياس حامل اختام هذه الهيئة و امين اسرار رئيسها الراحل ادريس بنزكري .

اختصاصات هيئة الانصاف و المصالحة و مصيرية تقاريرها ،و انعكاساتها على صورة المغرب الحقوقية ، ستمكن الياس من نسج خيوط رفيعة مع اكبر رجالات الدولة و المقربين من دائرة الحكم الضيقة ، مما مكنه من تقديم نفسه كأحد الوجوه السياسية الجديدة و الجديرة بالثقة و القادرة على على المساهمة في رسم ملامح العهد السياسي الجديد .

انسلال الياس العماري الى المنظومة السياسية الجديدة سيجعل منه احد المؤسسين للفكرة السياسية القائمة على خلق تنظيم سياسي جديد ، يكون الحجرة الكبيرة التي ستلقى في بركة الاحزاب السياسية الاسنة و الجامدة.

ظهور الاسلاميين كقوة سياسية منظمة قادرة على كسب الرهانات السياسية و الانتخابية ، سيشكل ارضية خصبة لالياس العماري لاقناع اصحاب القرار بتسريع وثيرة التخلص من الاحزاب التقليدية العتيقة و المثقلة بالصراعات التنظيمية و المستهلكة اجتماعيا و سياسيا .

نجاح الياس العماري في اقناع اصحاب القرار بتأسيس حزب الاصالة و المعاصرة ، و توفير الشروط الظرورية لنموه و لسرعة نضجه تنظيميا و انتخابيا ، سيجعل منه قطب الرحى الذي تدور في فلكه كل الاحزاب السياسية .

الياس الذي جعل من نفسه جندي الصف الاول لمواجهة الاسلاميين ، لن يتوانى في استغلال كل الامكانيات المتاحة و غير المتاحة له لازاحة كل التعابير و القوى السياسية و المؤسساتية التي قد تنافسه على هذا الدور ، فهو اعتبر ان الاصالة و المعاصرة هو الاداة السياسية التي يجب ان تظل و حيدة و تصب داخلها كل الفعاليات السياسية الحداثية ، لمواجهة الاسلاميين .

الياس العماري الذي نجى باعجوبة من زلزال 20 فبراير الذي اطاح بمجموعة من المسؤولين و رجالات الدولة ، لم يستطع ان يتخلص من ماضيه اليساري المبهم ، و لم يتمكن من الخروج من منطق العمل السري الذي طبع مساره السياسي ، فحول حزب الاصالة و المعاصرة الى شبه تنظيم سري ، لا يعلم احد داخله من يسيره و من يديره ، و كيف تتخد القرارات داخله، و ما هي افاقه و تحدياته و رهاناته.

تولي الياس للامانة العامة لحزب الاصالة و المعاصرة ، سيخرجه من دائرة الظل التي عاش داخلها لسنوات ، و سيجعله امام اختيار صعب ، اما التفوق على الاسلاميين و اثبات نجاح افكاره ، و برهنت مصداقية ما دعا اليه على الارض ، و اما الزوال و الذهاب ، فالياس لم يعد بامكانه الاستمرار في مسلسل الغموض و الابهام الذي كان يتوراى وراءه.

خسارة الاصالة و المعاصرة للانتخابات التشريعية ، و تصدر الاسلاميين لنتائجها ، سيفقد الياس كل نقاطه ، و سيجعل منه مجرد واهم اوهم الكل بقدرته على جعل الدولة في مأمن من الاسلاميين ، مما سيعجل برحيله عن قيادة الحزب مباشرة بعد الانتخابات ، و سيجعل منه رجلا تتقاذفه اليوم تناقضات السياسة ، مما حوله الى قربان لمرحلة سياسية قديمة بدأت تتأس على انقاضها معالم مرحلة جديدة ، لا مكان لالياس داخلها .

الياس الحويط و المتوجس “الحاضي سوارو” ، الذي جعل من الابهام و الالتباس شعاره السياسي، وضع كل الاعتبارات في الحسبان ، الا انه لم يفهم ان الدولة لا تعترف بمنطق الولاء و الصداقات و الخدمات المقدمة ، بل تعترف بمنطق الاستمرارية و الديمومة و المحافظة على الامن و سلامة وحدتها و كيانها ، فالدولة اكبر من الاشخاص و الكيانات و المجموعات .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *