موقع هاشتاغ آنفو _ خالد بوبكري
اختلط الحابل بالنابل وارتفعت رمال الغموض حول كيفية التعيين في مناصب المسؤولية، ولم نعد نفرق بين حامل الحبال ورامي السهام المكلف بإحداث ثقوب في المنظومة القانونية وتفصيل المناصب وفق ما تشتهيه رياح الهوى.
مناسبة هذا الكلام هو التقييم الصادم الذي قامت به لجنة خاصة لاختيار خلف لمحمد بنشعبون، والذي ركز بالأساس على تسعة محددات لتأهيل المرشحين لمنصب الرئيس المدير العام السابق لمجموعة البنك الشعبي.
التقييم الذي نتوفر على نسخة منه، خلص إلى أن خالد سفير، المدير العام للجماعات المحلية بوزارة الداخلية، وأحمد رحو، الرئيس المدير العام للقرض العقاري والسياحي، وكريم التاجموعتي، المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، وطارق السجلماسي، الرئيس المدير العام لمجموعة القرض الفلاحي، وهشام بلمراح، الرئيس المدير العام للتعاضدية الفلاحية المغربية، بالإضافة إلى الخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة، لا يعرفون أي شيء عن إفريقيا، حيث تتراوح نتيجة التقييم لهؤلاء المسؤولين الكبار بين “pas de connaissance” و”faible”.
وبمقابل جهلهم بالعمق الإفريقي، خلصت الدراسة المعمقة لملفاتهم أنهم متميزون جدا ولهم معرفة بدواليب الدولة “connaissance des circuits de l’Etat”، وطبعا فهذا المحدد “اللغز” يمكن لكل فرد تفسيره كيفما شاء.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ هو كيف تدبر وتسير شخصيات من حجم هؤلاء الستة، أكبر وأهم المؤسسات المالية التي تمثل عصا الرحى بالنسبة للاقتصاد الوطني، ومعرفتها بالقارة الإفريقية ضعيفة ومنعدمة؟
وكيف يمكن لمؤسسات مالية وطنية أن تنجح في مهمتها الاقتصادية والمالية والتنموية وعقلية الجهل بالمحيط القاري تتحكم في رقابها؟ وأي مرفق أو عاقل هذا الذي يستطيع اليوم أن يشتغل بمعزل عن محيطه الإقليمي والدولي؟
هذه مجرد أسئلة استنكارية لا ننتظر من ورائها سوى الهمس في أذن من يعين مثل هؤلاء، لنقول له بصوت منخفض، إن البلاد ليست أما عاقرة حتى تمنح مناصب كبرى لكائنات ثقافتها “على قد الحال”، وإن قوة الدولة وقوة اقتصادها وتطوره، تتطلب عدم اللعب بالنار في مثل هذه المؤسسات الكبرى التي من البديهي أن تمنح إدارتها لرجالات كبار في ثقافتهم وتدبيرهم للأمور.
فمن غير المعقول أن نجد الملك محمد السادس يولي اهتماما كبيرا للعلاقات المغربية الإفريقية ويعمل على أن يكون للمغرب دور محوري في القارة السمراء، ويقوم بزيارات ناجحة وتاريخية لبلدان إفريقية توجت بتوقيع أكثر من 500 اتفاقية خلال عقد من الزمن مع أكثر من 40 بلدا، وفي المقابل نجد مؤسسات يفترض فيها أن تلعب دورا محوريا في التوجه الملكي، يتحكم في رقابها أشخاص يتقاضون “زبابل ديال الملايين” والجهل بكل ما هو إفريقي يحتل مساحة شاسعة من عقولهم.
اليوم، وبغض النظر عن الذي قام بهذه الدراسة لملفات هؤلاء الأشخاص، يصعب أن يقبل العقل استمرار أشخاص في مناصب المسؤولية بهذا المستوى المعرفي في هذا المجال، والذين يعاكسون التوجه الملكي ورؤية وطموح وتصور الملك محمد السادس للعلاقة بإفريقيا من جهة، وطموح أمة تسعى للرقي من خلال تثبيت الكفاءات بالمناصب العليا وإقبار منطق القرابات والعلائق والولائم والولاءات في التعيينات.
فهل من منقذ؟