عبد الله الجباري
أطلق مؤخرا رئيس الحكومة المغربية تصريحا مفاده أن الوضع في المغرب أحسن من الوضع في فرنسا، وقد أثار هذا التصريح موجة من السخرية والتهكم من قبل المغاربة، لأنهم لم يستسيغوا هذه المقارنة والمفاضلة.
ينبغي الانتباه إلى أن هذه المفاضلة ليست تصريحا أصيلا للسيد سعد الدين العثماني، وإنما هو تصريح نسبه إلى مسؤول فرنسي، وصار منسوبا إلى العثماني بالتبع، لأنه حكاه وأقره.
شخصيا، لا أرى في ذلك التصريح ما يوجب التهكم والسخرية، لكنه يحتاج إلى إضافة وتدقيق على مستوى الصياغة والنحت، فيصير بعد التعديل : “الوضع في المغرب يجب أن يكون أحسن من الوضع في فرنسا”، نظرا لما يتميز به المغرب من مؤهلات تجعله ضمن كوكبة المتربعين على عرش الترتيبات العالمية للتنمية البشرية.
بل يمكن القول، إن المنطق يفرض على المغرب أن يكون أفضل من سويسرا، وليس أفضل من فرنسا فقط.
إذا نظرنا إلى هذه المقارنة من زاوية بعض المؤشرات الأساس التي تنبني عليها القوى الاقتصادية عادةً، فإننا نجد الآتي :
أولا : يتميز المغرب بواجهتين بحريتين، على طول 3500 كلم، ولا تتوفر سويسرا على أي منفذ بحري، وهي من الدول الأوربية الداخلية.
هذه المقارنة الأولية تجعل المغرب يتقدم على سويسرا على مستوى عدة مؤشرات، منها :
على مستوى الصيد البحري : يُصنَّف المغرب ضمن الدول الأكثر إنتاجا للسمك في العالم، وهو ما يدر عليه رقم معاملات ضخم، أما سويسرا فتفتقد قطاع الصيد البحري. ولا مكان لهذه الحقيبة ضمن حكومتها الفيدرالية أو حكوماتها الإقليمية.
على مستوى الملاحة التجارية : يتميز المغرب بعدد من الموانئ الكبرى المسهمة في تيسير عملية الملاحة التجارية البحرية، مثل الجرف الأصفر والدار البيضاء وطنجة المتوسط وغيرها، وهو مكسب مهم للاقتصاد المغربي، أما سويسرا فلا تضم سوى بحيرات داخلية صغيرة، لا تسمح لها بمثل هذه الأنشطة الاقتصادية.
على مستوى السياحة الشاطئية : يتميز المغرب بشواطئ ساحرة على امتداد الساحلين البحريين، ومنها ما صُنّف ضمن أجمل الشواطئ العالمية، مما يغري السائح العالمي والمحلي لقضاء فترات من الاصطياف على ضفافها، وهو ما يسهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، أما سويسرا فتفقد كل هذا.
وعموما، فالبحر وشطآنه يدران على الخزينة العامة للمغرب ملاييرالدراهم، أما سويسرا فلا يدر عليها البحر سوى صفر درهم.
ثانيا : تغطي الجبال ثلاثة أرباع مساحة سويسرا، أما الأراضي السهلية فلا تكاد تتجاوز الربع، وتتساقط الأمطار طوال السنة، وتتساقط الثلوج بكثافة، وبعض القمم تتغطى بالأبيض طول العام … هذه المؤشرات غير مساعدة في المجال الفلاحي، لذا يمكن التكهن بتدني الإنتاج الزراعي في سويسرا، إلا أننا ننبهر ببعض النسب المائوية، حيث نجد أن ٪4 من السكان هم من يشتغل بالزراعة، وينتجون ٪50 من الحاجات الزراعية للدولة.
إذا استحضرنا أن المساحة الصالحة للزراعة بالمغرب تقدر بحوالي 95000 كلم مربع، (أكثر من ضِعف إجمالي مساحة سويسرا)، وما يتمتع به من سهول متعددة ومهمة صالحة للزراعة (دكالة – عبدة – الشاوية – الغرب – الرحامنة – الحوز – …)، إضافة إلى ما حباه الله به من مناخ معتدل، وتساقطات مطريةمتوسطة غير معرقلة للعمل الزراعي في الغالب، واشتغال ٪34 من الساكنة بالزراعة، وإذا اعتمدنا على المنطق الحسابي، فإنه يلزم أن يكون المغرب محققا اكتفاءه الذاتي في هذا المجال، إلا أننا نفاجأ بأنه من الدول الأكبر المستوردة للقمح، ويستورد العدس والحمص والفاصوليا والذرة والشعير والسكر.
وفي الوقت الذي تصدر فيه سويسرا كمية مهمة من الألبان إلى الخارج، فإن المغرب لم يوَفَّق بعدُ لتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه المادة ومشتقاتها.
ثالثا : تزخر بواطن الأرض المغربية بثروات مهمة، فالمغرب هو أول مصدر للفوسفاط في العالم، وبه نسب متفاوتة من الحديد والذهب والرصاص وغيرها من الموارد الطبيعية، وهو ما تفتقر إليه سويسرا، ولا تعرف هذه المواد إلا عن طريق الاستيراد.
هذه المقارنات الأولية على مستوى الهبات الربانية التي أعطاها الله تعالى للبلدين، كلها تشي بأن المغرب يجب أن يكون أفضل من سويسرا، لكن، أين الخلل ؟
يمكن التمادي في تأمل المقارنات عن طريق ما يسمى بالسبر والتقسيم، حتى نقف على مكمن الخلل في التفاصيل.
أول ما يلاحظ على سويسرا، أنها تتميز بمناخ سياسي واقتصادي مغري، يمكن رصده من خلال الآتي :
في سويسرا نظام ديمقراطي حقيقي، يتميز بما يسمى الديمقراطية المباشرة، حيث يمكن لعدد من الناس أن يوقعوا عرائض لإيقاف تشريع سنته الهيآت البرلمانية. مما يعني السيادة المطلقة للشعب. وفي المغرب مؤسسات ديمقراطية، بدون عمقديمقراطي.
وفي سويسرا مساواة مجالية، فمثلا، تهتم الدولة بالسياحة في كل المناطق، وتستفيد كل الكانتونات من العائدات السياحية، وفي المغرب لا تكاد تستفيد من السياحة سوى مدن معدودة، كفاس ومراكش وأغادير، أما بلقصيري وسيدي بنور وقلعة السراغنة ووادي زم وغيرها من المدن الكثيرة، فلا تستفيد من عائدات السياحة بأدنى فلس.
وفي سويسرا نظام تعليمي قوي ومتقدم. وفي المغرب نظام تعليمي يخضع للإصلاح وإصلاح الإصلاح والاستعجال في الإصلاح وهلم جرا من الإصلاح.
وفي سويسرا نظام صناعي رائد، مدعم بمعدلات ضريبية منخفضة. وفي المغرب نظام جبائي لا يرضي أحدا، ويعاني منه الجميع.
وفي سويسرا حرية حقيقية للإعلام، وفي المغرب يعاقب الصحفيون بعقوبات طريفة، مثل الحكم بالامتناع عن الكتابة كذا سنة، ومثول الصحفيين أمام المحاكم بتهم جنائية أقل ما يقال عنها أن (فيها إن)، وغيرها، وهو ما جعل منظمة مراسلون بلا حدود تصنف المغرب في مراتب متدنية في حرية الإعلام.
وفي سويسرا الإنسان إنسانٌ بمعنى الكلمة، وفي المغرب يعيش الإنسان فاقدا إنسانيته في أحياء الصفيح والأحياء العشوائية وبنايات السكن الاقتصادي البئيس معماريا من الناحيتين البرانيةوالجوانية، أما الحال في المستشفيات العمومية فحدث عن الإنسانية والكرامة فيها ولا حرج.
في سويسرا قدرة عجيبة على تحويل السلبي إلى رافعة للاقتصاد والتنمية. مثلا : كثرة الجبال والثلوج في ليست عائقا، حيث تم تحويلها إلى مجالات لممارسة الرياضات الجليدية، والسياحات الجبلية، وغيرها.
ومن الغريب جدا، أن سويسرا تستثمر في الانتحار، ومن أراد القتل الرحيم أو الانتحار، فما عليه إلا التوجه إلى سويسرا، وأداء رسوم الانتحار، ليتم له المراد، فتستفيد ميزانية الدولة. وفي المغرب، هناك اطراد مهول في حالات الانتحار، ولم نجد للحكومة أثرا حوله، لا لتنظيمه والاستفادة من عائداته (لا قدر الله)، ولا لفرملته ومعالجة أسبابه.
وعلي سبيل الختم. نقول مع السيد سعد الدين العثماني، المغرب أفضل من فرنسا، وأجمل بلد في العالم، ولكن ...