من تكون أنجيلا ميركل ” أم الألمان ” ؟

بدت غير مكترثة بنتائج الانتخابات رغم خسارة حزبها لنحو 3% من الأصوات، فهي تتحدى الجميع بأنها الوحيدة القادرة على تشكيل الحكومة بحصول حزبها على 35% من الأصوات.
لم تعطي أية أهمية لاعتذار الاشتراكيين (حصلوا على 20%) عن المشاركة في الحكومة التي كانوا جزء منها في السابق، فهي تخلصت منهم ومن حولتهم الثقيلة على قلبها.
العالم وأوروبا وبشكل خاص يعرف أن ألمانيا هي “بيضة القبان” لأوروبا، وهي بوابة الاستقرار أو بوابة الفوضى.
ألمانيا تقودها سيدة من حديد هي الأقوى بين نساء العالم، وهي تخطت بكثير النفوذ الأسطوري للمرأة الحديدية مارجريت تاتشر وباتت عنوانا وحيدا على قدرة أوروبا على حماية وحدتها وعملتها.
ولدت أنجيلكا دوروتيا كاسنر “أنجيلا ميركل” في مدينة هامبورغ عام 1954، وانتقلت أسرتها  في ألمانيا الشرقية حيث عمل والدها كاهناً ، وكانت أنجيلا في شبابها عضواً ناشطاً في منظمة “شباب ستالين”، وتخصصت أثناء دراستها الجامعية في علم الفيزياء بجامعة لايبزغ، كما حازت على درجة الدكتوراه في الفيزياء في عام 1986 من نفس الجامعة.
وفي 1974 وأثناء دراستها للفيزياء تعرفت أنجيلا على زوجها الأول أولريش ميركل وهو زميل لها يدرس الفيزياء أيضا، وتزوجا فيما بعد في عام 1977 إلا أن الزواج لم يدم طويلا وسرعان ما انفصلا ومع ذلك بقيت أنجيلا تحمل اسمه العائلي، والتزم الزوج السابق الصمت عن فترة حياته معها  رغم محاولات الصحافة للحديث معه عن تلك الفترة.
وفي عام 1984 تعرفت في الأكاديمية على زوجها الحالي الكيميائي يواخيم زاور والذي تزوجته في عام 1998.
عملت ميركل في شبابها نادلة في حانة بينما كانت تدرس الفيزياء في ألمانيا الشرقية أبان الحكم الشيوعي الشيوعية، وذلك وفقا للصحفية الألمانية باتريشيا ليسنير كراوس في كتاب صدر مؤخرا لها يتحدث عن السيرة الذاتية لأول مستشارة ألمانية.
و خلال سنوات قليلة صعد نجم ميركل بسرعة فائقة لتتحول من عالمة فيزيائية مغمورة تعمل في أحد مختبرات برلين الشرقية إلى سياسية أصبحت حديث الساعة في الحزب “المسيحي الديمقراطي” المحافظ.
وقبل انهيار جمهورية ألمانيا الديمقراطية في أواخر الثمانينات، نمى حسها السياسي وبدت نشيطة أكثر في هذا المجال، تدعو لحرية سياسية أكثر لمواطني ألمانيا الشرقية، وهذا ما دفعها إلى الانضمام لحزب “نهضة الديمقراطية” في عام 1989 .
وبعد  الوحدة الألمانية انضمت  لحزب “الاتحاد الديمقراطي المسيحي”، وبدأت ميركل عملها السياسي بتعيينها في عام 1990 مساعدة للمتحدث باسم حكومة رئيس الوزراء الألماني الشرقي المحافظ لوثر دو ميزيار وذلك قبل قليل من حصولها على مقعدها النيابي الأول في  عام 1990 في أول انتخابات حرة في عموم ألمانيا الموحدة (الغربية والشرقية) .
بعد الوحدة التحقت ميركل بمكتب المستشار السابق هلموت كول الذي شجعها ودعمها، واعتاد كول، الذي أتى بميركل إلى مجلس وزرائه في عام 1991، أن يخاطبها بشكل أبوي مستخدماً كلمة “فتاتي”، وبعد عشر سنوات حملت ميركل لقب “الأم الشجاعة” بعد أن تولت مقاليد “الاتحاد المسيحي الديموقراطي” المهزوم في انتخابات عام 2000 دون أن تتردد في الابتعاد عن كول بعد كشف قضية الصناديق السوداء.
بعد هزيمة كول في انتخابات عام 1998 أمام الحزب المنافس ” الديمقراطي الاجتماعي” بزعامة غيرهارد شرودر، وسلسلة من الفضائح المالية التي هزت الحزب ،استقال كول، وصعدت ميركل لتصبح الأمين العامة لحزب ” الاتحاد الديمقراطي المسيحي”  في عام 2000.
في سابقة تاريخية  كأول امرأة وأول بروتستانتينية تتولى مثل هذا المنصب في حزب له جذور مسيحية كاثوليكية متشددة.
وبعد توليها قيادة “المسيحي الديمقراطي ” وقفت ميركل وقفة حازمة في الوقت الملائم كزعيمة تتعاطى بجدية مع تحديات الساعة، إذ  تولت رئاسة هذا الحزب الذي هيمن عليه مستشار الوحدة الألمانية كول أكثر من 25 عاماً في أصعب فترة مر بها في تاريخه.
ونجحت ميركل في الخروج بالحزب  إلى بر الأمان بعد الكشف عن فضيحة التبرعات التي وضعته في مأزق أخلاقي تسبب في فقدانه المصداقيته لدى الناخبين الألمان، وكانت “فتاة كول” هي أول مسؤول رفيع المستوى في الحزب” المسيحي الديمقراطي” يهاجم المستشار السابق ويطالبه بوضوح بالكشف عن ملابسات هذه الفضيحة التي لم يشهد هذا الحزب مثلها في تاريخه، وكانت بالنسبة لكول نوع من الخيانة ونكران الجميل، وهي “الخيانة” التي لم يغفرها لها بعض قدماء الحزب.
حصل الحزب بزعامة ميركل على أعلى نسبة في الانتخابات النيابية التي جرت في عام 2005 بفارق بسيط أمام الحزب المنافس ” الديمقراطي الاجتماعي” بزعامة غيرهارد شرودر.
أتت النتيجة مفاجئة، حيث توقع المحللون حصول ميركل وحزبها على نسبة أعلى، بالرغم من ذلك، شددت ميركل على أحقيتها بحصولها على منصب مستشار ألمانيا، بينما زعم شرودر أحقيته بالبقاء في هذا المنصب. لم يتمكن أي حزب من الحصول على أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة. وكان على ميركل وشرودر الدخول في ائتلاف كبير.
و تمكن الحزبان من الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلاف تقودها ميركل لتصبح أول مستشارة لألمانيا وأول مستشار لجمهورية ألمانيا الاتحادية من شرق ألمانيا.
ورغم أن ميركل من الحزب المحافظ المعروف بكونه ضد الإنفاق الحكومي الباذخ ومع تضييق الخناق على العاطلين عن العمل، إلا أن سياستها تميزت بتسامح نسبي ومراعاة للطبقات الفقيرة وللعاطلين عن العمل، كما أن خططها الإصلاحية في الاقتصاد راعت الطبقات الفقيرة أيضا.
في موضوع الهجرة، عبرت ميركل عن أرائها في عدة مناسبات. في فترة مستشاريتها الثالثة، في  عام 2010 قالت إن تجربة التعددية الحضارية فشلت فشلًا ذريعًا في ألمانيا. وقالت لاحقًا في مؤتمر لحزبها إنها تأخذ على محمل الجد الجدل الدائر حول الإسلام والهجرة، وقالت :”إننا لا نعاني من وفرة في الإسلام، بل نعاني من قلة في المسيحية”.
شددت ميركل على أهمية محور برلين- باريس في دفع عجلة الاتحاد الأوروبي، حيث كانت أول زيارة خارجية لها منذ توليها منصبها الجديد على سبيل المثال إلى باريس(وهذه عادة إلتزمها المستشارون الألمان بعد الحرب العالمية الثانية، أي زيارة فرنسا أولا قبل أي دولة أخرى في العالم). و تمثل ميركل أغلب الأصوات في حزبها المعارضة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي كعضو كامل.
رفضت دائما إبراز أنوثتها في العمل السياسي، وتعترف هذه المرأة التي يوحي أسلوبها الرزين بالفتور والبرود والتي كثيرا ما تتعرض للسخرية على ما ترتديه من ملابس  بأن “الموضة ليست من هواياتي” لكنها تقر بأنها أصبحت مع مرور الوقت “تجد متعة أكبر” في اقتناء الأزياء مبدية ميلا للألوان الزاهية.
ميركل القائد الفعلي للاتحاد الأوروبي، ملكة أوروبا غير المتوجة، و مؤسس الولايات المتحدة الأوروبية، ام الألمان، كلها ألقاب حصرية للمستشارة الألمانية ميركل، أكثر نساء العالم نفوذا طوال الأعوام الستة الماضية طبقا لقائمة مجلة “فوربس” الأمريكية.
ميركل أمام تحد من نوع جديد، فالرئيس الروسي بوتين يقترب من اللعب في الفناء الخلفي لأوروبا : بولندا ، وكلاهما يشكك في نوايا الأخر، وعلاقتها بترمب متردية جدا ولا يوجد أي ثقة بينها واشنطن وبرلين، وحليفها ماكرون يحتاج باستمرار إلى دعمها ، فيما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يواصل حربه ضدها فيما تبادله هي الهجوم دون هوادة.
ميركل ستعيد ترتيب البيت الألماني الداخلي واستعادة الأصوات التي خسرتها لصالح اليمين المتطرف، ولن تسمح لرئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي الخروج بارتياح من الاتحاد الأوروبي.

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *