مسعود بوعيش يكتب: الاتحاد الاشتراكي السياق والانساق

مسعود بوعيش

تفاعل مع بعض التدوينات التي نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي التي تمكنت من الإطلاع عليها والمتعلقة بالنقاشات الجارية داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حول قضايا مجتمعية عديدة كانت داءما في جدول اعمال الحزب واعضاءه، في الفروع والاقاليم والجهات والهيئات الوطنية التقريرية والتنفيذية واللجان القطاعية والوظيفية المتعددة والمتنوعة، وفي الاعلام الورقي الحزبي والاشكال الجديدة في التواصل والاتصال، وبالتالي امتداد لمقررات المؤتمرات الوطنية للحزب، وترجمة للتوجهات العامة التي يعكسها البيان السياسي الذي يصدر عن المؤتمر ويرقى إلى مستوى الخط المرحلي السياسي للحزب بين المؤتمرين.

ارتايت تقديم الملاحظات الاولية التالية:

في تقديري، الصراعات الفكرية والاختلافات في تقدير اهمية وراهنية اولويات الظرفية السياسية وتأهيل الهياكل والاليات الحزبية الكفيلة بجعل الخلاصات والتوصيات والقرارات الحزبية موضوع التطبيق الجيد، ورافعة لكسب انخراط الاعضاء والاصدقاء والمساندين لهذه البرامج للرفع من مستوى الضغط الديموقراطي الجماهيري لترجيح كفة التعاون والتنسيق مع الاحزاب الحليفة والصديقة للرفع من منسوب الثقة والفعل الكفيلين بخلخلخة ميزان القوى لصالح قوى التقدم المدافعة عن الاصلاح الاجتماعي لفائدة الفئات الصغرى والمتوسطة المتضررة من نتائج السياسات العمومية التي تنهجها الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام.

اود التذكير بمعطى ثقافي حزبي اتحادي، ترسخ في الثقافة الغالبة في الاتحاد ، خاصة لدى الاجيال التي رافقت اشغال المؤتمر الاستثنائي المنعقد في يناير 1975 والادبيات الصادرة عنه وخاصة وثيقة تقديم التقديم للتقرير الايدؤلوجي التي قدمت في الجلسة العامة على لسان الشهيد عمر بنجلون والذي انتخب عضو في المكتب السياسي للحزب بعد تشكيل اللجنة الادارية الوطنية من 33 عضو وانتخاب الراحل عبدالرحيم بوعبيد كاتب اول للاتحاد، هذا المعطى ظل يسري ويؤثر ويتاثر ويتوسع مضمونه وقد يرتفع منسوبه وينخفظ حسب متغيرات الظرفية واولياتها الحزبية وحسب الحاجة لرفع من درجة التعبءة والحماس لضمان انخراط واسع وتطوير وتقوية تماسك ووحدة الحزب والتفاعل الايجابي بين الهياكل الحزبية المؤطرة افقيا وعموديا.
المعطى الثقافي يمكن ايجازه في جملة وردت في الوثيقة التوجيهية او الايدلوجية انذاك في السياق والانساق:
《 الاتحاد يعيش الصراع ويشكل محور الصراع》.

التأمل في الانتقالات الكبرى التي عاشها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يمنح مؤشرات دالة على هذه التحولات والانتقالات التي انجزت وافرازتها والانتقالات التي لم ينته تفعيلها..تمنح مؤشرات ملموسة على أن هذه الانتقالات جرت في سياق سياسي وانساق تحققت فيه انتقالات في طبيعة الدولة المغربية وهياكلها ومؤسساتها الدستورية، المنتخبة والمعينة، سعيا وراء إعادة تنظيم السلط والتمييز والتدقيق في الصلاحيات والاختصاصات بهدف تحقيق المشاركة والتشارك وتحقيق التفاعل والنجاعة والسير الديموقراطي للدولة وفق دستور يؤطر وينظم السلطات وعلاقاتها ومجالاتها في ظل ملكية دستورية.

من بين الانتقالات الداخلية للجسم التنظيمي الحزبي التي تتطلب القراءة والتامل في امتداداتها هي الانتقالات التي دشنها المؤتمر السادس للاتحاد المنعقد في نهاية مارس 2001 بمكتب الصرف بمدينة الدار البيضاء، هذه الانتقالات كانت لها تداعيات، منها اعتزال الكاتب الاول لللاتحاد وعزوفه عن العمل التنظيمي الحزبي في رسالة استقالته في 28 اكتوبر 2003 يعني استقالة احد قادتنا الراحل اذ عبد الرحمن اليوسفي، تداعيات اضافية انعكست على التحضير للمؤتمر الوطني السابع المنعقد في يونيو 2005 بمدينة بوزنيقة، و التي اسفرت انتخاباته على اختيار أحد قادة الحزب الاستاذ محمد اليازغي كاتب اول للاتحاد.

المؤتمر الثامن للاتحاد كان انعقاده في يونيو 2008 محطة تنظيمية لاستدراج افرازات ” الرجة ” التي عاشتها قيادة الاتحاد الاشتراكي بعد تشكيل حكومة عباس الفاسي وتفاعل العقل الجماعي الاتحادي مع مخلفات وترسبات ” الخروج عن المنهجية الديموقراطية بدون مبرر على ظوء نتاءج الانتخابات التشريعية التي جرت في شتنبر 2002 والتي احتل فيها الاتحاد الصف الأول في لائحة الاحزاب المشاركة وبروز تمثيلية برلمانية قوية لحزب جديد بمرجعية دينية حقق نتاءج متقدمة، بمساعدة الساهرين على اخراجه واحتضانه واستعماله، حقق هذا الحزب في احضان المرحوم الدكتور الخطيب ومن معه نتائج مثيرة للاستفهام والتوجس، كان نتيجة خطة ملتبسة تمثلت في تقديم ترشيحاته في عدد محدود من الدواءر التشريعية، بدعوى التحكم ، مما ساعده على تركيز جهوده في تلك الدوائر من جهة، وانحيازه المستتير في الدوائر الأخرى وتوجيه اعضاءه للتصويت لصالح المرشح المنافس للاتحاد الاشتراكي وبالتالي افرزت الانتخابات خريطة جديدة للنتائج يتصدر فيه الاتحاد الذي دبر الشأن العام في عهد حكومة التناوب.

ولكن رغم تصدره النتائج لم يتجاوز عدد المقاعد المحصل عليها في حدود 52 مقعدا.

ومن تجليات تصريف النتائج اعلان حزب الاستقلال في بيان عاجل مشترك بينه وبين العدالة والتنمية والحركة الشعبية شعار ” امولة نوبة” يعني رسالة سياسية مفادها طموحه تشكيل اغلبية حكومية بقيادة حزب الاستقلال ..

الانتقالات التي عاشتها الدولة والاحزاب في سياق البناء المشترك..افرزت مكون جديد في الحقل الحزبي ..جعل الاتحاد امام معطى جديد خلق الالتباس في المعادلة السياسية الطبيعية…يعني احنا مع من؟ من يواجهنا؟ من يواجه مشروع الانتقال الى الديموقراطية؟ من هي الدواءر واللوبيات التي لها مصالح والتي تسهر على هذا الكيان الحزبي الجديد بمرجعية دينية؟ ما علاقة هذا الفرز بما كان يقع من اختراقات للاحزاب والنقابات والجمعيات والجامعات المغربية.. في عهد وزير الداخلية الاسبق الذي تم اعفاؤه في نونبر 1999؟ وهل هناك اختراقات خارجية للحقل الحزبي المغربي؟.

لم تكد حكومة ادريس جطو المشكلة في اكتوبر 2002 وفق المنهجية الدستورية تنهي ولايتها في سبتمبر 2007 حتى ظهرت مؤشرات قدوم وافد جديد.

بيان المكتب السياسي للاتحاد بقيادة سي محمد اليازغي الصادر يوم 19 اكتوبر 2007 وردت فيه فقرة استعملت لاول مرة جملة ” الوافد الجديد “…كان لها ما لها!!

انعقاد المؤتمر الثامن للاتحاد كان مناسبة لتدبير تداعيات الافرازات السياسيةالجديدة وتدبير نتاءج ” الارتجاج” في ذهنية وتمثلات الاتحاد لاطراف الصراع ومضمون الصراع !

المؤتمر الثامن لم يستطع انجاز نقط جدول اعماله ..ومع انتهاء المدة القانونية لاجتماعه ارجا ما تبقى من نقاط جدول الاعمال الى شوط ثاني تم عقده بعد ستة شهور وفق مادة صريحة في القانون الاساسي اعتمدتها رءاسة المؤتمر لإنهاء اشغال الاجتماع وارجاء ما تبقى من النقط العالقة..

الشوط الثاني الذي نظم بعد ستة شهور بقصر المؤتمرات لمدينة الصخيرات كان ثمرة لعمل داخلي حزبي قاده البناة…انتج تسوية تنظيمية اجازتها الهيئات التقريرية للحزب انتج توافق للذهاب الى الشوط الثاني للمؤتمر بفتح الترشيحات لمهمة الكاتب الأول تجسدت في قبول اربع تريشحات تستوفي الشروط الحزبية وتتاهل لخوض المنافسة امام المؤتمرين بتقديم كل مرشح منهجيته واسلوب عمله لتطبيق التوجيهات العامة الصادرة من طرف المؤتمر…وقد فاز الاستاذ عبدالواحد الراضي في هذا التمرين الديموقراطي الأول الذي دخل فيه الجسم التنظيمي الاتحادي.

المؤتمر التاسع للحزب المنعقد في دجنبر 2012 كان محطة لتدبير كثافة الانتقالات النوعية وعلى راسها صدور دستور جديد للبلاد نال ثقة الحزب الذي دعا بالتصويت بنعم على المشروع في استفتاء فاتح يوليوز 2011 ..المؤتمر مطالب بتدبير حالة الجسم التنظيمي الحزبي الذي تموقع في المعارضة لحكومة بن كيران بعد مشاركته في الاغلبيات الحكومة السابقة خلال مدة 13سنة، تدبير المنافسة بين المرشحين الاربعة لمهمة الكاتب الاول وتدبير نتاءج التطبيقات المعلومياتية في التصويت والفرز..تدبير دوره في المعارضة وفق المكتسبات والصلاحيات والحقوق المدسترة للفرق النيابية المعارضة داخل المؤسسة التشريعية، تدبير تداعيات “الفوضى الخلاقة” في منطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط في عهد الحزب الديموقراطي الذي يقود الولايات المتحدة الامريكية في عهد الرءيس باراك اوباما ، وانعكاس السياسة الخارجية الامريكية للديموقراطيين اتجاه المنطقة على المصالح الحيوية والاستراتيجية لبلدنا في محيطه الاقليمي والقاري والدولي وتاثير ذلك على ملف الوحدة الترابية للمغرب الذي وضعه لدى مجلس الأمن منذ دخول مسلسل وقف اطلاق النار حيز التنفيذ سنة 1991 وتواجد المينورسو في الصحراء لمراقبة مدى احترام الالتزامات من جهة الاطراف المعنية.

اسفرت نتاءج المنافسة بين المترشحين الأربعة عن فوز الاستاذ ادريس لشكر بمهمة الكاتب الاول…حالة الارهاق وتعثر التطبيقات الالكترونية المعتمدة في التصويت كانت من الاسباب المادية لارجاء عملية اختيار اعضاء المجلس الوطني..تم تاجيل عملية التصويت على اللواءح المودعة لمدة اسبوع…اجراء التصويت والفرز واعلان النتاءج شابهته عيوب كانت موضوع طعون امام لجنة التحكيم التي نظرت فيها واتخذت القرارات التي عرضتها على الهيئات الحزبية التقريرية…

المؤتمر العاشر المنعقد في مارس 2017 كان عليه التقرير والتوجيه في تداعيات الاستحقاقات الانتخابية التي جرت في 2015 و 2016 وانعكاسها على الجسم الحزبي والمشهد الحزبي العام، كان على المؤتمر تقييم حصيلة الحزب في موقع المعارضة وتقييم مرحلة تشريعية عنوانها البارز ” الاستئثار” يعني هيمنة الاغلبية الحكومية على التشريع من خلال مشاريع القوانين وهدر حقوق المعارضة في مقترحات القوانين، تقييم مرحلة انزاحت فيها الاغلبية الى تأويل المواد الدستورية وفق منهجية الاستئثار جعلت مشاريع القوانين التنظيمية والقوانين تنزل الى مستوى اقل من الدستور ولا تتجاوز جودتها مستوى الاغلبية الحكومية.

البيان العام للمؤتمر اجاز للقيادة الجديدة اتخاذ كل المبادرات السياسية التي تسند التاويل الديموقراطي للدستور..

* الاستنتاجات:

– اذا كان الحوار وتبادل الراي حول النقاشات الجارية داخل الاتحاد حول الافاق وحول التطلعات والانتظارات لما سيفرزه المؤتمر المقبل للاتحاد يعتبر ظاهرة صحية قد توسع المشاركة في النقاش بين الحزبيين واصدقاءهم ومنافسيهم في الحقل الحزبي وبالتالي قد تثري وتغني اطروحة اللجنة التحضيرية للمؤتمر الحادي عشر المتوقعة، التي لم تتشكل بعد بسبب حالة الطواريء الصحية التي دخل فيه المغرب دولة واحزاب وكل مكونات الشعب المغربي بقيادة ملك البلاد لمواجهة وباء جاءح يهدد صحة وسلامة المجتمع المغربي..قانون الطواريء قيد الاجتماعات العامة وكل الانشطة الدينية والثقافية والرياضية العامة..الخ حماية للصحة العامة كاولوية وظنية على رأس الاولويات.

– مؤشرات وبيانات صادرة عن السلطات الطبية وعن السلطات المركزية العمومية تبشر بالتحكم والسيطرة على تفشي الوباء من جهة وتعلن عن نهاية الحجر الصحي تدريجيا في افق رفع القيود القانونية عن الأنشطة العامة الحزبية والنقابية والجمعوية في سياق اكراهات موضوعية يتعين التكيف مع متطلباتها.

الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بصم الدخول السياسي لسنة 2019/ 2020 باحتفاله بالذكرى 60 لتاسيسه وتنظيمه لمهرجان احتفالي وسياسي بمسرح محمد الخامس بالرباط في نهاية شهر اكتوبر 2019 وتزامن الاحتفال مع مرور 54 سنة على اختطاف احد مؤسسيه وقادته المهدي بنبركة في 29 اكتوبر 1965 بباريس.

الاتحاد جعل من المناسبتين فرصة لاطلاق مبادرة المصالحات بين الاتحاديين وحزبهم، المصالحات لتجميع كل الكفاءات وتعبئة كل القدرات لتحضير المؤتمر الحادي عشر.

– لم تسمح اكراهات الطواريء الصحية التي تعيشها البلاد باستكمال الخطوات التنظيمية المبرمجة لترصيد المنجزات وبلورة الآليات الحزبية الكفيلة بتعميق المصالحات وربح الرهات الحزبية وعلى راسها انعقاد المؤتمر الحادي عشر في شروط وأجواء افضل واحسن من المحطات السابقة.

لم ينعقد المجلس الوطني للحزب، الهياة التقريرية المؤهلة للتداول التنظيمي وإعلان الخطوات التنظيمية اللاحقة لانجاز كل الشروط الكفيلة بتحقيق الاهداف المرسومة لتتويج كل المبادرات النضالية الوحدوية الهادفة الى تدقيق الرؤيا.

– في تقديري، النقاشات الجارية فوق الفضاء الازرق غير مؤطرة وتجري في عالم افتراضي يصعب استعماله لحل القضايا الحزبيةىالعالقة…وعليه فانها تخلق الضبابية والالتباس ولا تساعد على توضيح الرؤيا وبالتالي تضعف من قدرة التاثير الايجابي على الديناميات الجارية، وقد تقدم خدمات مجانية لصالح اللوبيات المحافظة وامتدادا تها في الريع والاستعمالات الحزبية لفاءدتها وكبح الدينامية الجديدة المتطلعة الى انتخابات جديدة تتصدر نتاءجها قوى حزبية جديدة تذكي وتيرة الانتقالات في افق مجتنع ديموقراطي حداثي.