يستعرض المدير الإقليمي للبنك الدولي للمغرب العربي ومالطا جيسكو هنتشل ، في حوار أجرته معه وكالة المغرب العربي للأنباء، إنعاش الاقتصاد بالمغرب وتحدياته. كما يتطرق إلى اللجوء للدين الخارجين والقدرة على تحمل الدين بالمملكة وأهمية استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030″، وآفاق الشراكة التي تجمع المغرب بالبنك الدولي.
1- كيف يمكن البدء في انتعاش حقيقي بالمغرب؟
وضع المغرب استراتيجية طموحة للتعافي بعد كوفيد -19 سواء من خلال تعبئة موارد كبيرة لدعم الاقتصاد أو عبر إطلاق إصلاحات هيكلية من شأنها تعزيز الصمود الاجتماعي والاقتصادي.
كما أن مخطط الإنعاش الذي سيكلف حوالي 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام على شكل إجراءات للتحفيز الضريبي، وضمانات للتمويل وضخ رؤوس الأموال في المقاولات، يعتبر أكثر طموحا من الجواب الملاحظ في الاقتصادات الصاعدة والسائرة في طريق النمو التي لا تتجاوز متوسطا يصل 6 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
وفي إطار تنفيذ هذا المخطط، من الضروري مراعاة عدة معايير من أجل سياسة “إنقاذ اقتصادي” ناجحة، حتى يتم تحديد عدد من الخيارات وآليات التحكيم الاقتصادي.
من هذا المنطلق، وفي ما يتعلق بإنقاذ الشركات، سيكون من المهم التمييز بين الشركات التي، وبسبب الأزمة، واجهت مشاكل تتعلق بالسيولة لكنها لا تزال قادرة على الصمود، والشركات التي سيعتمد بقاؤها على التغييرات الأساسية لتعزيز قدرتها التنافسية بعد الأزمة.
من جهة أخرى، تتطلب إعادة التفكير في استراتيجية المغرب اعتماد سياسة ترتكز على الفرص التي ستظهر بعد أزمة كوفيد، من خلال المراهنة على انتعاش أخضر ورقمي ومبتكر يتضمن إزالة الكربون بشكل أسرع من الاقتصاد. هذه السياسة يجب أن تتوجه أيضا نحو العديد من دول أوروبا التي قد ترغب مستقبلا في نسج روابط تجارية وثيقة مع دول الجوار الجنوبي، بما في ذلك المغرب وبلدان شمال إفريقيا.
وبخصوص الجانب المتعلق بالإصلاحات، فإن المغرب متقدم عن العديد من البلدان الأخرى التي لا تزال في طور التخفيف من الآثار قصيرة المدى لكوفيد -19. وقد انتهزت السلطات هذه الأزمة لمباشرة إصلاحات مهمة لإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح ، وتعزيز صمود الفئات الأكثر هشاشة.
ومن شأن إحداث صندوق محمد السادس للاستثمار، بشكل خاص، أن يصبح ركيزة أساسية لتمكين المقاولات الواعدة من تعزيز رأسمالها وتطوير نفسها وإحداث مناصب الشغل. وستكون مساهمة هذا الصندوق في الانتعاش الاقتصادي رهينة بعدة عوامل ترتبط على الخصوص بالحكامة.
سأشير، على سبيل المثال، إلى معايير الشفافية ومستوى تملك أعلى، وآلية واضحة للقيادة، وآلية للمساءلة تفصل بين القرارات السياسية وتلك المتعلقة بالاستثمارات، ويجب أن تتماشى هذه الأخيرة مع الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المسطرة للمرحلة المقبلة.
ومن شأن نجاح تنفيذ هذه الإصلاحات أن يتيح للمغرب ولوج حقبة جديدة من التنمية، ما من شأنه تسريع اقتراب البلاد من مستوى التنمية الذي تشهده الاقتصادات الأكثر تقدما.
2- ماهي تحديات الانتعاش الاقتصادي بالمغرب؟
بالموازاة مع هذا الزخم الإصلاحي، من شأن اتخاذ تدابير إضافية لتعزيز التنافس والمنافسة في الأسواق أن يساهم في بروز قطاع خاص أكثر ديناميكية، وبالتالي فسح المجال لتسريع النمو الاقتصادي.
وقد شجعت السياسات العمومية التي اعتمدها المغرب خلال العقود الماضية على ظهور مجموعات “بطلة” أصبحت تنافسية على المستوى الدولي في قطاعات مختلفة كالسيارات والطيران والصناعة الغذائية والأبناك والتأمين والبناء. غير أنه كان لهذا التوسع تأثير محدود على بقية الاقتصاد المغربي، وهو ما يمكن تفسير جزء منه بوجود حواجز تعوق قدرة الفاعلين الجدد والمقاولات الصغرى والمتوسطة على النمو وفرض نفسها في أسواق جديدة.
من جهة أخرى، وحتى يكون مسلسل الإنعاش شاملا وفعالا، يتعين أن تأخذ السياسات العمومية بعين الاعتبار حاجيات القطاع غير المهيكل، الذي يستوعب حوالي 80 من الساكنة النشيطة ويمثل 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام المغربي.
في هذا الصدد، وبعيدا عن توسيع آليات الحماية الاجتماعية والسياسات التحفيزية للانتقال إلى “الطابع المهيكل”، يجب أن تحرص السياسات العمومية على التقليص من مستوى الهشاشة السوسيو – اقتصادية للأسر التي تعتمد على القطاع غير المهيكل، لاسيما من خلال اتخاذ تدابير لتعزيز إدماجها المالي والرقمي أو دعم تكوين الشباب المنحدرين من هذه الأسر. كما يتعين العمل على تعزيز وتقوية مشاركة المرأة في سوق الشغل.
ختاما، أكدت الأزمة على أهمية توفر معطيات إحصائية موثوقة وشفافة لإطلاع الرأي العام، والمساهمة في اتخاذ القرار. المغرب أحرز تقدما كبيرا في هذا المجال، وهي جهود ترتبط بالإنتاج والولوج وموثوقية البيانات، مما سيمكن من تعزيز هذا الجانب الهام لبلورة سياسات عمومية، لاسيما في سياق الأزمة.
3- للتخفيف من آثار الصدمة التي خلفتها أزمة كوفيد -19، لجأ المغرب إلى الاستدانة الخارجية. ما هي قراءتك لقدرة تحمل الدين بالمملكة؟ وكيف ستؤثر هذه الاستدانة على الاقتصاد المغربي؟
على غرار غالبية بلدان العالم، كان لجائحة كوفيد -19 عواقب ملموسة على المالية العامة. لكن في المغرب، لا يزال عجز الميزانية المسجل في 2020 متحكما فيه مقارنة بغالبية البلدان المجاورة له، مما يعكس الحذر المالي الذي تعاملت به السلطات في مواجهة الأزمة.
بفضل متانة السياسات والمؤسسات الماكرو اقتصادية بالمغرب، فضلا عن علاقتها الوثيقة مع المؤسسات المتعددة الأطراف، تمكنت المملكة من الحصول على تمويل خارجي خاص وعمومي خلال السنة المنصرمة، مما ساهم بالتأكيد في التخفيف من آثار الأزمة.
وبالرغم من تزايد حجمه أثناء الجائحة، لا يزال الدين العام المغربي مقدورا عليه. وينبغي التأكيد أيضا على أن هيكل ديون المملكة له خصائص معينة تحد من هشاشته، كصغر حجم الدين متوسط الأجل، وانخفاض نسبة الدين الخارجي وبالعملة الصعبة.
غير أنه وللحفاظ على هذا المستوى من القدرة على تحمل الدين، سيكون من الضروري بالنسبة للمملكة مواصلة هدفها المتمثل في التقليص التدريجي لعجز ميزانيتها في السنوات المقبلة. هذا يستلزم القيام بمجهود مدعم لتعزيز نجاعة النفقات، وتوسيع القاعدة الضريبية وجعل تحصيل الضرائب أكثر عدلا وفعالية.
4- ماذا عن دعم الفلاحة التي هي ركيزة أساسية للاقتصاد المغربي؟ كيف تقيمون استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030؟
تسعى الحكومة إلى استدامة الآثار الإيجابية لمخطط المغرب الأخضر من خلال استراتيجية الجيل الأخضر. ويأتي إطلاق هذه الاستراتيجية في وقت مهم للغاية بالنظر إلى الأزمة المزدوجة لجائحة كوفيد -19 والجفاف الذي شهدته البلاد.
وسيكون تنفيذ هذه الاستراتيجية ضروريا للتجاوب مع الأزمة والخروج منها. وفي الواقع، يمكن أن يشكل التركيز على تشغيل الشباب في الوسط القروي جزءا رئيسيا من الإجابة الاقتصادية للحكومة. كما يمكن أن يساعد دعم سلاسل التزويد الغذائي في اغتنام فرص جديدة في أسواق التصدير وضمان صمود سلاسل التزويد المحلية خلال هذه الأزمات.
من جهة أخرى، فإن التدخلات ذات الصلة بالفلاحة الرقمية، التي يدعمها البنك الدولي من خلال برنامجه الذي تمت المصادقة عليه في دجنبر الماضي، ستساهم في تسريع التحول الرقمي للقطاع.
على سبيل المثال، فإن توفير خدمات أساسية للفلاحين بصيغة رقمية يسهل الوصول الفوري إلى المعلومة والاستشارة ويقلص تكاليف المعاملات المتعلقة بالتنقل على وجه الخصوص. كما أشير إلى خدمات الاستشارة الفلاحية عن بعد والتسويق الإلكتروني، والخدمات الفلاحية الإلكترونية، التي تمثل أجوبة رئيسية لتدابير التباعد الاجتماعي.
وختاما، يعتبر البعد الأخضر للاستراتيجية، لاسيما في ما يتعلق بتدابير تثمين المياه في الري، عنصرا أساسيا للوقاية والتخفيف من حدة آثار الجفاف الشديد.
5- ما هي آفاق الشراكة بين المغرب والبنك الدولي ؟
تمتد الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الحكومة المغربية والبنك الدولي للفترة 2019-2024. وتطمح هذه الشراكة التي تحدد أولويات تدخل البنك الدولي لدعم الأولويات التنموية بالمملكة، إلى أن تشكل إطارا مرنا يسمح بإجراء تعديلات وفقا لتطور الظرفية والأوراش التنموية.
ولا تزال محاور هذه الشراكة، التي تقوم على إحداث فرص الشغل وتقوية الرأس مال البشري وتعزيز تنمية ترابية مستدامة، بالغة الأهمية بالنسبة للفترة المقبلة.
ويذكر أن بلوغ منتصف مدة تنفيذ إطار الشراكة المذكورة، سيقوم البنك الدولي والحكومة المغربية هذه السنة بتقييم حصيلة إنجازات السنتين الماضين. كما سنحدد سويا الرافعات أو المجالات ذات الأولوية لدعم العمل الحكومي، والذي يمكن للبنك الدولي دعمه إلى غاية انتهاء الاستراتيجية.
ويندرج الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للفئات الأكثر هشاشة، ودعم الصمود الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وخلق فرص الشغل ضمن الأهداف ذات الأولوية لمواكبة الأوراش الإصلاحية الكبرى المعلن عنها خلال فترة الانتعاش.