بوتفليقة من الرباط: الجزائر لا ناقة لها ولا جمل في الصحراء

علي بنستيتو

رحلة في الذاكرة.. قضية الصحراء.. (الحلقة الرابعة)

بوتفليقة من الرباط:  » الجزائر لا ناقة لها ولا جمل في الصحراء »

بمناسبة الحديث عن هذه التطورات وخاصة ما يتعلق بمناورات الجزائر ومحاولاتها المكشوفة الظهور أمام الرأي العام كبلد مسالم لا مطامع له في الصحراء، أتذكر الزيارة التي قام بها إلى الرباط في يوليوز 1975، وزير الخارجية الجزائري في ذلك الوقت، عبد العزيز بوتفليقة (الرئيس المعزول)، على متن طائرة خاصة، وكان حينئذ في أوج قوته من حيث وسامة مظهره وفصاحة لسانه وخطابته، خاصة عندما يتحدث للصحفيين.
في ختام تلك الزيارة التي اجتمع خلالها مطولا بالملك الحسن الثاني، حيث كان ملف الصحراء وموقف بلاده في صلب تلك المحادثات، كان على أهبة مغادرة مطار سلا عائدا إلى بلاده عندما طلب مني رئيس التحرير في الوكالة التوجه على وجه السرعة إلى المطار ومحاولة أخذ تصريح صحفي من الوزير الجزائري قبل مغادرته.
دخلت القاعة الشرفية بالمطار لحظات قبل أن يصل بوتفليقة رفقة نظيره المغربي أحمد العراقي. غير بعيد كانت ترسو على أرضية المطار طائرة جزائرية صغيرة، ومحركاتها في حالة تشغيل، فيما بدا لي بعض العمال يصعدون إليها محملين بأكياس كرطونية كبيرة، علمت من موظفي المطار أنها تتضمن منتوجات من الصناعة التقليدية، هدية للضيف الجزائري.
بعد دخوله القاعة الشرفية واستوائه في صالونها التوتير بادرته بسؤال عن زيارته للمغرب وعن فحوى محادثاته مع الملك، فأجاب بوتفليقة، بعد أن وجه الشكر لـ »الأشقاء » المغاربة على « كرم الضيافة وحسن الاستقبال » أن محادثاته مع جلالة الملك تناولت « العلاقات الأخوية القائمة بين البلدين الشقيقين » ، قبل أن يردف قائلا .. « أود التأكيد بهذه المناسبة، أن الجزائر لا ناقة لها ولا جمل في الصحراء »، مضيفا قوله، الجزائر « تدعم المغرب وموريتانيا وتتضامن معهما لتحرير هذه الأراضي من الاستعمار الاسباني ».
وأتذكر أن هذا التصريح، الذي كان مسجلا بالصوت على جهاز التسجيل الخاص بالوكالة، قد كان محط اهتمام من قبل جهات عليا في الدولة، قبل أن أسترد الجهاز وأقوم بتفريغ محتواه على الورق وبثه في شبكة الوكالة. مع الإشارة إلى أن ما صرح به بوتفليقة كان نفس الموقف الذي سبق للرئيس بومدين أن تعهد به رسميا أمام القمة العربية سنة 1974 بالرباط، وتبين فيما بعد أن ذلك لم يكن سوى مجرد كلام للاستهلاك وذر للرماد في العيون.
على مستوى آخر، جدير بالتذكير أيضا أنه خلال الشهور الأولى من سنة 1975 بدأت الصحف ووكالات الأنباء الأجنبية تنقل أخبارا متواترة تتحدث عن أعمال مسلحة متفرقة في الصحراء تستهدف بعض المواقع العسكرية الاسبانية، من بينها مركز « الطاح » الحدودي القريب من طرفاية، والذي ستنطلق منه فيما بعد الجماهير المشاركة في المسيرة في عمق الأراضي الصحراوية. بعض تلك العمليات « الفدائية » التي كانت تخلف قتلى وجرحى في صفوف جيش الاحتلال الاسباني، كانت تقدمها الصحف المغربية على أنها تندرج ضمن المقاومة المسلحة التي بدأت تنفذها تنظيمات صحراوية وحدوية مؤيدة لاسترجاع المغرب للصحراء، من بينها « جبهة التحرير والوحدة ».
في الآن ذاته كانت وكالات الأنباء الدولية ووسائل الإعلام الجزائرية تتحدث من جانبها عن عمليات أخرى مسلحة ضد الجيش الاسباني،كانت تقوم بها مليشيات تابعة للبوليساريو انطلاقا من الأراضي الجزائرية.
كما كانت وسائل الإعلام تتحدث بين الفينة والأخرى عن خروج مظاهرات في العيون، حاضرة الصحراء، كانت تتصدى لها بالقمع والاعتقال القوات الاسبانية، الأمر الذي دفع أعدادا كبيرة من السكان إلى النزوح في أفواج متلاحقة والتوجه شمالا ، حيث أقامت السلطات المغربية مخيمات لاستقبالهم في مواقع غير بعيدة عن مدن طرفاية وطانطان وكلميم. وكانت تلك المخيمات تشهد من حين لآخر زيارات تفقدية يقوم بها بعض كبار المسؤولين المغاربة، كما تابع ولي العهد الأمير سيدي محمد، في إحدى المرات جانبا من المناورات العسكرية التي كان ينفذها الجيش المغربي في المناطق المحاذية للأراضي الصحراوية، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشرا لا يخلو من دلالة، إذ رأى فيه البعض أن المغرب « يهيئ نفسه للأسوأ » كما كتبت حينئذ إحدى الصحف الأجنبية.
على الجانب الآخر أقدمت الجزائر على إقامة مخيمات للصحراويين الذين دفعتهم « البوليساريو » إلى الفرار من مدنهم وقراهم في الصحراء إلى منطقة « تندوف » في الجنوب الجزائري ، حيث كانت الجبهة الانفصالية تعمل على تخويف السكان وتوهمهم بأن المغرب يتهيأ لـ »غزو » الصحراء وأنهم سيتعرضون لأعمال قمع وتنكيل. ولتضخيم عدد الوافدين على تلك المخيمات لجأت السلطات الجزائرية إلى فتح الباب أمام حشود من البدو الرحل القادمين من موريتانيا وشمال مالي.
في ماي 1975 أوفدت الأمم المتحدة بعثة لتقصي الحقائق الى المنطقة، فزارت العيون وانتقلت إلى المغرب، حيث عقدت في أكادير اجتماعات مع كبار المسؤولين وقيادات من الأحزاب السياسية وبعض ممثلي القبائل الصحراوية. كما زارت مخيمات النازحين في الجانب المغربي، وكذا مخيمات تندوف بالجزائر، قبل أن ترفع تقريرا عن مهمتها إلى الأمين العام كورت فالدهايم، الذي قام بدوره بزيارة للمغرب في نهاية أكتوبر 1975، مباشرة بعد الإعلان عن تنظيم المسيرة وقبيل انطلاقها بأيام قليلة ، وبحث مع الملك تطورات هذا الملف الذي كان قد دخل في تلك الأثناء مرحلة ملتهبة من صيرورته. (يتبع)

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *