تقرير رسمي لمجلس « الشامي » يسلط الضوء على مكامن الخلل في الحوار الاجتماعي

رغم أن الحوار الاجتماعي بدأ يروج في المغرب مع بداية التسعينات، غير أنه يقف على عدد من الاختلالات والمعيقات، بسببها لا تظهر آثاره، أبرزها انعدام الثقة، كما يؤكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقرير حديث.

وقف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على إشكالات تسم الحوار الاجتماعي بالمغرب، في رأي صادر عنه يحمل عنوان “نحو جيل جديد من الحوار الاجتماعي بالمغرب”، وهو الرأي الذي يستند فيه إلى التوجيهات الملكية المطالبة ببلورة تصور جيل جديد من منظومات هذا الحوار.

يشير تقرير الرأي، الذي تعقد حوله لقاء تواصليا، اليوم الثلاثاء، إلى أن الحوار يكاد ينحصر في جولات الحوار الثلاثي الأطراف التي تنعقد بصفة غير منتظمة تشارك فيها الحكومة والنقابات الأكثر تمثيلية والاتحاد العام لمقاولات المغرب.

لأجل هذا يؤكد، المجلس في رأيه الذي يقدم كأرضية للنقاش، على وجوب منظومة متقدمة للحوار الاجتماعي من شأنها أن تمكن من المساهمة في بناء نموذج اجتماعي جديد يعتبر مكونا رئيسيا من مكونات النموذج التنموي المنشود.

العيوب كثيرة

بحسب المجلس، عامل مهم ساهم في تعثر الحوار الاجتماعي، هو فقدان الثقة بين الأطراف، إشكالية اعتبرها المجلس قضية مجتمعية، تحتاج إلى تحليل أسبابها بشكل أوسع.

يعيب المجلس تركيز مواضيع الحوار الاجتماعي في المفاوضات على الأجور، إذ انتقد استقرار أدبيات الحوار على أن معيار نجاح الحوار رهين بالاتفاق على الزيادة في الأجور، إلى جانب المقاربة الضيقة للحوار الاجتماعي.

وقد استحضر التقرير هنا الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المنتدى البرلماني الدولي الثاني للعدالة الاجتماعية الذي نظمه مجلس المستشارين في 20 فبراير 2017، إذ دعت الرسالة إلى توسيع مضامين الحوار الاجتماعي.

يسترسل المجلس في بسط ما يعيق الحوار الاجتماعي، ليشير إلى وجود تحديات وإشكالات حقيقية في ما يخص موضوع التمثيلية. ويشرح أن النسيج الاقتصادي الوطني يشمل فئات واسعة من المشغلين مستبعدة من الحوار الاجتماعي، كالقطاع الفلاحي والمقاولات الصغيرة جدا وقطاع الحرفيين والمهنيين والقطاع غير المنظم.

أما مشاركة النقابات الأكثر تمثيلا في هذا الحوار تبقى مطبوعة بنسبة متدنية للانتماء النقابي لا تتعدى 4 في المائة، حسب أرقام نشرتها المندوبية السامية للتخطيط سنة 2018، مقابل تنامي أعداد اللامنتمين وظهور ما يسمى بالتنسيقيات.

وفي إطار التمثيلية، يعتبر المجلس أن تنظيم أي حوار اجتماعي، إن على المستوى القطاعي أو الجهوي، سوف يواجه إشكال مشروعية التمثيلية.

كما يسجل عدم إشراك المنظمات النقابية للأجراء الأكثر حضورا على المستوى القطاعي.

في هذا الصدد، انتقد المجلس دعوة وجهها رئيس الحكومة السابق في 5 يونيو 2017 إلى تفعيل الحوار الاجتماعي القطاعي مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا، إذ اعتبر أن الدعوة أتت رغم الأثر المالي المباشر الذي يطغى على هذا الحوار الاجتماعي، على حساب الحوار والتعاون من أجل تطوير الخدمات العمومية ورفع مردودية القطاع العام وتأهيل وتكوين الموارد البشرية وغيرها من المواضيع الهامة.

أما بالنسبة للقطاع الخاص، يلاحظ المجلس أنه تعذر بناء منظومة تسمح بإقامة حوار اجتماعي في القطاعات الاقتصادية المختلفة، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الجهوي، علما أن منظومة من هذا النوع هي الكفيلة بتنظيم القطاعات الاقتصادية وتكريس السلم الاجتماعي وتعزيز حكامة القطاعات الإنتاجية وتحسين القدرة التنافسية.

كما أن غياب الحوار الاجتماعي المندمج جهويا ومحليا لا يساير خيار الجهوية المتقدمة الذي انخرط فيه المغرب. ورغم أن القوانين التنظيمية الجديدة الخاصة بالجهات والعمالات والجماعات نصت على تأسيس نوع من الحوار الموسع، من خلال تشكيل هيئات استشارية بمشاركة المجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين للنظر في قضايا التنمية الجهوية والمحلية، إلا أن تلك الآليات لم يتم تفعيلها بعد على كافة المستويات الترابية وبكيفية مؤثرة في مسلسل اتخاد القرار، إلى هذا خلص تقرير المجلس.

الحوار والمقاولة

ينتقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ما اعتبره ممارسة محدودة للحوار الاجتماعي داخل المقاولة، إذ لاحظ ضعف ثقافة الحوار بشكل عام وبشكل خاص في مجال المقاولة. إذ غالبا ما يسود الحذر والتوجس، وأحيانا المواجهة بين المشغل والأجير بدل الثقة والمشاركة والتعاون، يقول التقرير.

ورغم أن مدونة الشغل ذكرت عدة آليات للحوار الاجتماعي داخل المقاولة في أشكاله الخاصة بالمفاوضة الجماعية والتشاور والمشاركة، غير أن ترسيخ هذه الممارسة الفضلى داخل المقاولة مازالت متواضعة، سواء في ما يخص التفاوض أو الاستشارة أو تفعيل الآليات التمثيلية.

هذا الضعف، كما يورد المجلس في تقريره، يفوت مكاسب للأجراء وللمقاولة من زاوية الاستقرار والسلم الاجتماعي والمردودية الاقتصادية، وأيضا يؤثر على معدل النمو الاقتصادي للبلد وعلى الحقوق الاجتماعية للأفراد وعلى قضايا التنمية بصفة عامة.

توصيات المجلس

من أجل جيل جديد لمنظومات الحوار الاجتماعي، يوصي المجلس بمقاربة جديدة، في ثلاث محاور، هي مأسسة منظومات متكاملة للحوار الاجتماعي، وتعزيز الحوار باعتباره أداة ديمقراطية تشاركية، وأيضا النهوض بثقافة الحوار الاجتماعي.

من بين توصياته، تأدية دور استشاري في مجال الحوار الاجتماعي، وإنجاز دراسات في كل ما يتعلق بهذا الحوار، والتحسيس بثقافته، ورصد أداء منظومة الحوار الاجتماعي وتفعيل آليات الوساطة وإصدار تقرير سنوي لحصيلة الحوار الاجتماعي.

يريد المجلس أيضا أن يكون هناك حوار اجتماعي قطاعي وطنيا وجهويا، ووضع معايير واضحة. ولهدف تقوية الحوار داخل المقاولة، يوصي المجلس بتبسيط وتقوية التمثيلية وتوسيع قاعدة المقاولات المعنية بتأسيس لجنة المقاولة عبر تخفيض العتبة، وضمان تمثيل المرأة، وملاءمة الأنظمة الأساسية.

يدعو المجلس الاقتصادي والبيئي والاجتماعي إلى تبني الدولة، في إطار سياساتها العامة، آلية مستدامة تُفعل عند كل مبادرة تروم تحقيق إصلاح هام في قطاع معين. ناهيك عن ضرورة تفعيل المقتضيات المتعلقة بإحداث الآليات التشاركية والهيئات الاستشارية.

يريد المجلس أن يتم تطوير آفاق الحوار الاجتماعي، من خلال توسيع مواضيعها إلى المواضيع التقليدية المرتبطة بالشغل، وتفعيل آليات الإنصات لفعاليات أخرى من خبراء وباحثين ومجتمع مدني، وكذا حرص أطراف الحوار على توظيف التكنولوجيا الرقمية.

ومن أهم التوصيات، أيضا، النهوض بثقافة الحوار الاجتماعي، لأنه رهان النجاح، من خلال تكوين ممثلي الأطراف في النسيج الاقتصادي وفي الأقاليم والجهات، والتنظيم المستمر لدورات التحسيس والتكوين، لإعداد أجيال المستقبل المتفاعلة مع الحوار الاجتماعي، وإدراج مواضيع في مقررات التربية الوطنية، ودمج مضامين الحوار الاجتماعي ضمن مواد التكوين في شعب القانون والاقتصاد وتدبير المقاولات والموارد البشرية، والتعاون مع وسائل الإعلام.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *