أيها العالم.. مغرب آخر سينبعث من رماد كورونا

خالد بوبكري

لم نكن نتصور أن يصل رجال ونساء، وشباب وشابات المغرب لهذا الرقي والإنظباط والتآزر والتضامن، وفي هذا الوقت بالذات الذي نواجه فيه داء يشبه الى حد كبير مرض الطاعون الذي نحت اسمه كأخطر وباء في تاريخ البشرية.

ولم يخطر ببالنا أن يضع المغاربة كل مؤخداتهم وقلقهم على الحكومة ومصالحها الخارجية، ويضعون يدهم في يدها لمواجهة خطر صحي يداهم البلاد والعباد، ويدخلون معها غمار التعبئة والمواجهة الشاملة له.

ومن يدري؟ ربما كنا في حاجة ماسة لإختبار حقيقي لقياس مدى جاهزية المغاربة لمواجهة مثل هذه الكوارث والأوبئة الفتاكة، حتى نتمكن مستقبلا من وضع منظومة إستباقية لمواجهة المخاطر المحتملة والمفاجئة.

فالواضح والملاحظ، أن المغاربة استطاعوا في ظرف وجيز أن يغيروا من سلوكاتهم المعتادة والتأقلم السريع مع يقتضيه الوضع الجديد.

فشاهدنا بأم أعيننا كيف صرنا نحترم الأسبقية في الاسواق والابناك والفضاءات العمومية، مع ترك مسافة بين هذا وذاك.

وأصبحت النظافة هما شخصيا وأسريا ومجتمعيا، وحتى الجماعات الترابية تحركت بشكل قوي وممتاز في هذا النطاق، فعقمت وغسلت ونظفت الشوارع والازقة من الازبال والنفايات.

وتقوت قيم التضامن والتآزر، فأعلن عدد كبير من المغاربة عبر الفضاء الازرق وضع أنفسهم رهن إشارة الوطن لخدمته بشكل طوعي وبدون مقابل.

فيما إختارت فئة اخرى التبرع من مالها الخاص، لفائدة الصندوق الوطني لمحاربة فيروس كرونا المستجد، الذي أحدث الملك محمد السادس، وإستطاع في ظرف قياسي أن يحصد الملايير من تبرعات أبنائه المغاربة والمؤسسات العامة والخاصة.

وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي لخلايا نحل تشتغل على التوعية، وحث المواطن على الالتزام بالقواعد والضوابط التي وضعتها السلطات ببلادنا، لمحاصرة تفشي هذا الفيروس بين الناس. وتزينت بروفيلاتهم بالعلم الوطني، وصور تدعو الكل للبقاء في منازلهم، والتقيد بقواعد السلامة الصحية.

وأعلنوا من خلال الفضاء الافتراضي الحرب على الاشخاص والصفحات والقنوات التي تنشر الاخبار الزائفة زتساهم في تمييع الفضاء العمومي بنقاشات تافهة ومواضيع سطحية، حيث تم حجب العديد منها، وأصبحت مواضيع مرتبطة بالمعرفة والعلم والعلماء والخبراء والاخبار المفيدة، هي الطاغية والمتداولة.

هذا السلوك الحضاري الجديد للمجتمع المغربي، والانظباط المجتمعي للقوانين والقواعد والقرارات الحكومية، لن يهزمه فيروس كرونا الجديد فحسب، بل سيخلق مجتمع جديد وأجيال جديدة بعقلية متحضرة تؤمن بالواجبات ولا تفرض في الحقوق.

فالأهم في هذه المرحلة هو أن نحتضن هذا المكتسب الحضاري للمغاربة، وأن لا نجعله يقف ويتوقف بنهاية هذا الوباء، بل يجب ضخ كثير من الحماس فيه، وأن ندفع نحو إستمراره وتطوره ، وإستغلال هذه الفرصة التاريخية التي لا تعوض، فرب ضارة نافعة.

وهذه مسؤولية الجميع؛ مواطنين عاديين، دولة، حكومة، أحزاب سياسية، مجتمع مدني، إعلام، نخب المجتمع ومفكريه، لينبعث مغرب جديد من رماد كرونا.
والله المستعان.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *