بقلم الجيلالي بنحليمة
ما الذي تعنيه مدينة عتيقة، في المغرب غير بنايات آيلة للسقوط، ومآثر تاريخية تحول بعضها لمزابل، وفي أحسن الأحوال لمبولات عمومية، قد تسعف سكارى آخر الليل من معاناة البحث عن مرحاض، الصورة قاتمة فعلا، فحتى مع عمليات إنقاذ مثقلة ببيروقراطية إدارية معقدة، موزعة بين عدد من القطاعات الوزارية سيزيد غرق المدن العتيقة في وحل الإهمال والنسيان قبل التلاشي وتحويل المعالم تحت زحف مخيف للإسمنت وشجع المنعشين العقاريين.
وجه العملة الثاني، في المدن العتيقة، أنها لا تعني في نهاية المطاف سوى التمكن من تنظيم مهرجانات، والحصول على بعض شهادات قد تصل لدرجة شهادات أممية، في النهاية تبقى المدن العتيقة في المغرب مناسبة احتفالية، عندما تسلط تلك الأضواء الكثيرة الألوان على جدران، أسوار مثقلة بتاريخ الأجداد، الذي تجاهله الأحفاد. عبد الحق المريني مؤرخ المملكة المغربية، أبدى تفاؤلا كبيرا في مستقبل تاريخ المدن العتيقة، وأضاف جرعة الأمل في ما يمكن للمغرب أن يقوم به للحفاظ على جزء من تاريخه.
المريني قال للمشاركين في المنتدى الدولي الخامس للمدن العتيقة الذي نظمته « الشبكة المتوسطية للمدن العتيقة وتنمية التراث » في مدينة العرائش طيلة الثلاثة أيام الماضية، 28 و29 و30 ابريل برعاية ملكية « إن المغرب الغني بمعالمه الحضارية الإنسانية وبتنوعه البشري والسلالي والثقافي والتاريخي والجغرافي والعقائدي قد أبان بفضل تنظيم مؤسسات وشبكات وجمعيات المجتمع المدني عدة منتديات وندوات حول التراث اللامادي على تشبثه بتراثه الحضاري غير المادي والعناية به والتعريف بأبعاده الحضارية » يقول عبد الحق المريني.
لكن المجتمع المدني الذي تحدت مؤرخ المملكة المغربية عن دوره هو نفسه من دق ناقوس الخطر وقال على لسان مدير المنتدى مشيز القرقري الذي كان اللقاء معه على هامش المنتدى إن البيروقراطية القاتلة تعيق تحويل هذه المدن لقناة للتنمية السياحية بدلا من واقع تعيشه اليوم بفعل التهميش والتجاهل تم تعقيد المساطر. في مدينة العرائش التي احتضنت منتدى سيء التنظيم واعتمد على التجربة في القارة الافريقية، كانت معلمة « لابلاصا دي اسبانيا » قد اختفت تماما، عن النظر، واخفت مقاولات الحفر جزء الساحة الكبير التي تحول إسمها « لساحة التحرير » لكن العرائشيين لا يعرفون ساحة بهذا الإسم.
مشيز القرقري قال إن الساحة، التي تشكل قبل المدينة النابض تعرضت لسلسة من الإصلاحات استمرت ثلاثين سنة وأكثر، دون أن يظهر أثر الإصلاح هذا. لكن ما الذي يقلق في أن تحافظ الساحة الأكبر في شمال البلاد على تسمية ساحاتها وشوارعها بأسماء اسبانية؟ يعتبر عزيز كنجاع أحد مثقفي المدينة وكاتب يحظى باحترام كبير بين ساكنة العرائش إن المدنية تبدو وكأنها تخشى من أن تحافظ على تاريخها، هذا تاريخ مر وكان له ما له وعليه ما عليه، يضيف كنجاع.
استغرب عزيز كنجاع من قرار تغيير اسم « بلاصا داسبانيا » إلى ساحة التحرير، قائلا إن الليكسوس اسم ورثه المغرب من تاريخ فينيقي قديم. لكن هذا الاستغراب لم يكن وحيدا، لدى هذا المثقف اللبق، أمر آخر أضافه كنجاع يتعلق بمدى اعتبار العرائش مدينة عتيقة فعلا. بالنسبة لكنجاع فالمدن العتيقة بالنسبة للمغرب يعني الحفاظ على الموروث الانساني للمغرب، بما فيه تواجد أحياء الملاح الخاصة بالمغاربة ذووي الديانة اليهودية.
العرائش لا تتوفر على ملاح لكنها تتوفر على ساحة اسبانيا التي شاء المجلس البلدي أن يتم تغيير اسمها لساحة التحرير. ينتقذ عزيز كنجاع أن التعايش الذي ميز مدينة العرائش بين اليهود والمسلمين في فترات كثيرة من التاريخ ضاع بعدما وجد يهود العرائش أن فرص بقاءهم تضآلت. يذكر كنجاع أن أسرته كانت لا تجد أي حرج في أن يكون أكثر المقربين لها شابة يهودية، استمر استقرارها في المغرب لحد يومنا هذا.
لا يجد نفس المتحدث أي سبب مباشر لمغادرة اليهود مدينة العرائش التي بدت مدينة منهكة في أيام تنظيم المنتدى الخامس وبدا أن بعض أشغال تنقية وتنظيف الشوارع والأزقة قد تمت على عجل استعدادا لهذا الحفل الكبير الذي جعل ساكنة المدينة العتيقة للعرائش يحافظون طوال الوقت على مكان وقوفهم وهم ينظرون من عل لكثرة الوافدين على مدينتهم الصغيرة.
لا يعني المنتدى رقم خمسة بالنسبة للمدن العتيقة الكثير بالنسبة لبعض من هؤلاء الشباب الذين التقتهم الجريدة على هامش أنشطة المنتدى، بعضهم اعتبر المنتدى سهرة تنظمها العمالة فيما اعتبر بعضهم الآخر أن الأمر لا يهم سوى في السهرة التي سيختم بها المنتدى أملا في مشاهدة فرق مشهورة من فرق الدقة الجلبية على أرض الواقع.