الاتحاد الاشتراكي ..انبعاث سياسي و تنظيمي

علي الغنبوري

من المؤكد ان الاتحاد الاشتراكي ، عاش على وقع ازمات تنظيمية و سياسية عديدة ، جعلته يفقد كثيرا من جاذبيته الجماهيرية و السياسية ، و دفعت به الى حافة الانهيار ، بعد سنوات من الكبوات و الاخفاقات المتكررة ، التي تعود جذورها الى ما وقع داخل بيته الداخلي من صدامات و تنافرات متعددة بين مختلف مكوناته لسنوات طويلة ، بالاضافة الى الاثار السلبية التي خلفتها مدة تدبيره للشان العام .

وضعية الاتحاد الاشتراكي و أزمته ، جعلت عدد من المتتبعين يتنبؤون بعدم قدرته على تجاوزها و الخروج من تعقيداتها ، بل منهم من ذهب الى حد الادعاء بزوال الحزب و اختفائه عن المشهد السياسي المغربي ، و منهم كذلك من بدء الدعوة الى البحث عن بديل يساري ، يعوض الفراغ الذي سيتركه الاتحاد .

سيرورة الاحداث، و تجدر الممارسة السياسية و التنظيمية للاتحاد الاشتراكي ،و ذكاء قيادته ، و اشتعال الروح الاتحادية لدى جزء كبير من مناضليه ، فرضت واقعا مختلفا عن كل هذه التوقعات ، و فتحت افقا جديدا ، جعل الحزب يحصر ازمته التنظيمية الطويلة الامد ، و يوقف نزيفه المرهق ، و يضع اللبنات الصلبة لانبعاث تنظيم سياسي اتحادي جديد قوي و موحد ، و قادر على المواجهة و المنافسة داخل المشهد السياسي المغربي .

المصالحة كفكرة تنظيمية جديدة داخل المشهد السياسي المغربي

تبقى فكرة المصالحة الداخلية ، من اهم الافكار التنظيمية و السياسية التي انتجت داخل التنظيم الاتحادي بشكل خاص و داخل المشهد الحزبي المغربي بشكل عام ، في ظل ثقافة سائدة تؤمن بالحسم و القطع التنظيمي كحل وحيد لتدبير الاختلاف ، فابداع فكرة المصالحة ، جاء كوعي عميق و مسؤول من طرف قيادة الاتحاد بضرورة وضع حد لمسلسل طويل من التدمير الذاتي او كما اسماه الاستاذ عبد الواحد الراضي  » الانتحار الجماعي « ، الذي يتحمل الكل مسؤوليته بدون استثناء .

تنزيل المصالحة على ارض الاتحاد ، لم يكن بغرض التيه في تصفية الحسابات و تقاذف المسؤوليات غير المحصورة في الزمان و المكان ، بل جاء وفق منطق التوجه الى المستقبل و طي صفحة الماضي ، و جعل الاتحاد فوق كل اعتبار ، و هو ما مكن الحزب من كسب هذا الرهان ، من خلال الاستجابة القوية لابنائه و بناته من مختلف الاجيال ، الذين انخرطوا في ديناميته و في كل هياكله و برامجه .

الدينامية التنظيمية و الاشعاعية …تأكيد على النهوض

اذا كانت المصالحة هي الية تنظيمية و حزبية جديدة ، لتوفير المناخ الملائم لعودة الاتحاديين الى حزبهم ، فان الدينامية الكبيرة التي اطلقها الاتحاد الاشتراكي هي الاجرأة الفعلية لهذه العملية ، فالاتحاد اختار الدينامية كاساس متين لانجاح هذه المصالحة ، حيث تحول الحزب الى خلية نحل لا تتوقف عن الانتاج السياسي و التنظيمي .

الحركية الكبيرة التي يعرفها الحزب ، من خلال العدد الكبير لانشطته الاشعاعية و التنظيمية و السياسية ، التي تشهدها مختلف فروعه و هياكله ، و الانخراط القوي للقيادة الحزبية في هذا الاتجاه ، جعل الاتحاد يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ، ان الحزب في صدد التعافي من كل جراحه و استعادته للمبادرة و الفعل السياسي و التنظيمي الرائد داخل المجال السياسي المغربي .

الانفتاح كمقياس للجاذبية السياسية للحزب

وعي الاتحاد الاشتراكي بادواره السياسية، الحاسمة و المصيرية ، دفعه بشكل اساسي الى ضرورة فتح الحزب في وجه كل القوى و التوجهات المجتمعية المؤمنة بالديمقراطية و المتقاطعة مع مبادئه و قيمه المبنية على الانفتاح و التعددية و التقدمية .

تبني الاتحاد الاشتراكي للاستراتيجية الانفتاح هو تاكيد عملي على عدم انغلاقه على نفسه ،و مقياس حقيقي لمدى جاذبيته لدى المجتمع و النخب، فاستعادة الحزب لوهجه و لقوته لا يمكنها ان تتحقق الا في ظل قدرته على التحول الى حزب جذاب و منفتح على كل الطاقات و الحساسيات المجتمعية المؤمنة بقيمه و مبادئه .

نجاح ورش الانفتاح ، بدأت نتائجه بالظهور منذ البداية ، حيث تابع الكل حجم و نوعية الالتحاقات الوازنة و المؤثرة ، التي اختارت الاتحاد كفضاء مناسب للممارسة السياسية الديمقراطية و الحداثية، هذا النجاح ، يقدم دليلا اضافيا على حياة الاتحاد ، و على قوته و تجدره داخل الفضاء السياسي المغربي ، و يؤكد بشكل واضح على استعادة الحزب لمبادرته ، و على قدرته على المنافسة السياسية و لعب ادواره الاساسية و الطلائعية ، و ينسف كل الاراء و التنبؤات التي كانت ترى فيه حزب منتهيا و منهكا غير قادر على الفعل السياسي .

المواقف الواضحة و الاصطفافات الوطنية

توجهات الحزب و قيادته نحو اعادة البناء ، تعي جيدا ، ان اكتمال هذا الورش لا يمكنه التحقق الا عبر قدرة الحزب على تبني خطاب سياسي واضح و منسجم مع قناعاته و مبادئه و متشبع بالروح الوطنية ، التي لا تقبل لا المساومة و لا التردد او المهادنة .

هذا الاختيار و هذا الوعي ، بات اليوم اكثر وضوحا و ظهورا ، من خلال المواقف المتميزة و الرائدة التي تصدر عن الحزب، و التي تواكب مختلف الاحداث و الوقائع السياسية و المجتمعية، فالكل تابع التعاطي المتميز للحزب مع ازمة كورونا ، و كيف كانت قيادة الحزب سباقة الى طرح تصورات متكاملة و متناسقة لتجاوز هذه الازمة ، انطلاقا من مقاربات الاتحاد المنتصرة للجانب الاجتماعي و الداعية الى تحقيق العدالة بين مختلف فئات الشعب المغربي ، و الكل كذلك تابع المواقف الواضحة للحزب وقيادته ، الرافضة للتقاطبات المتحكمة في المشهد السياسي ، المبنية على استغلال الدين و توظيف المال في السياسة .

مواقف الحزب السياسية ، اصبحت اليوم نقطة ارتكاز اساسية ، في تشكل الاصطفافات الوطنية حولها ، ما جعل الحزب في قلب المعادلة السياسية المغربية ، فهو اليوم بمثابة القاطرة التي تقود المواقف الوطنية و الديمقراطية بالبلاد ، و هو كذلك المنتج لكل الاطروحات و المقاربات المتصدية لمحاولات الهيمنة و التفرد .

ما يعيشه الاتحاد الاشتراكي اليوم هو عودة قوية للفعل السياسي و التنظيمي الرائد ، و هو كذلك تأكيد على صحوته و انبعاثه وفق قواعد سياسية و حزبية سليمة اكثر مناعة و قوة ، تجعل منه الحزب اليساري الذي شكل دائما الضرورة المجتمعية ، و الذي لم يستطع احد تعويض مكانته و حضوره البارز و المتميز داخل الساحة السياسية .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *