الحراك الشعبي الجزائري يسعى إلى إنقاذ الوطن بأسلوب سلمي حضاري

محمد بوبكري

يؤكد خبراء ومعارضون جزائريون أن الجنرالات يسعون إلى تنظيم الانتخابات لأنها هي الورقة الوحيدة المتبقية لهم للتجديد الشكلي لشرعية شكلية مهترئة يختفون وراءها لاستمرار نظامهم السياسي العسكري؛ فهم يريدون تنظيم الانتخابات، لأن ذلك سيعني أن الشعب الجزائري لا يطعن في استمرار نظامهم السياسي العسكري، بعد أن كان يطالبهم بالرحيل، كما أنهم سيزورون نسب المشاركة في الانتخابات ونتائجها حتى يتسنى لهم الحصول على مؤسسات شكلية، هي عبارة عن هياكل فارغة، يمكنهم استعمالها من أجل التقرير في كل شيء باسمها، حيث سيظل الجنرالات متحكمين في الدولة وفي رقاب الشعب الجزائري في آن واحد، ما يمكنهم من جعل الدولة في خدمتهم، لا في خدمة الوطن والشعب الجزائريين.

ونظرا لأن الحراك الشعبي يطالب بـ « دولة مدنية »، التي يقصد بها دولة الحق والقانون، فإن الجنرالات يخافون من عدم القدرة على تنظيم هذه الانتخابات، حيث سبق أن اضطروا لتزوير ما سموه بـ « الانتخابات الرئاسية »، التي قاطعها الشعب الجزائري، وخرج بالملايين احتجاجا على تزويرها، فأخرج العسكر الدبابات للشوارع، ووصل « تبون » إلى الرئاسة على ظهر دبابة. وفي سياق حديثه عن الانتخابات التشريعية، وردا على دعاة مقاطعة هذه الانتخابات، فقد قال هذ الشخص: لن يكون هناك أدنى مشكل إذا كانت المشاركة ضعيفة. وسيرا على النهج نفسه، قال « بوقادوم »: إذا شاركت 20% في هذه الانتخابات، فإن ذلك لن يشكل مشكلا بالنسبة للسلطة.

كما قال أحد أتباع السلطة: لو شاركت في هذه الانتخابات 5%، فإنه لن يكون هناك أي مشكل. وهذا ما يعني أنه ليس هناك أي مشكل بالنسبة لحكام الجزائر إذا خرج الشعب بكامله إلى الشارع للاحتجاج ضد نظامهم المستبد. ويدل هذا على أن هؤلاء يريدون تحدي الشعب الجزائري، لأنهم يعتقدون أن القوى الخارجية معهم، ما يعكس وعيهم المغلوط، لأنه ليست هناك قوة دولية قادرة على حمايتهم اليوم إذا تدخلوا بعنف ضد الحراك الشعبي السلمي، لأن الأمم المتحدة والرأي العام الدولي يناهضان ذلك. يتحدى الجنرالات الشعب، ظنا منهم أن الدبابات معهم في الداخل، لكن هذا ليس صحيحا، لأن الجيش قد تغير، حيث تغيرت عقول أفراده، الذين صاروا أكثر وعيا بأوضاع الشعب الذي هم أبناؤه، ما جعلهم يشعرون بضرورة التضامن معه، لأنهم يعتبرون أنفسهم جزءا لا يتجزأ منه؛ فهم يدركون ألا روابط اجتماعية تجمعهم بالجنرالات. لذلك، فهم يرفضون أن يوظفهم الجنرالات ضد الشعب.

وإذا استمر الجنرالات في تعنتهم، وتمسكوا بتنظيم هذه الانتخابات، رغم أنهم يعلمون أنها لن تتم في البلاد كلها، فإن هذا يعني أنهم لا يبالون بعواقبها التي قد تؤدي إلى تقسيم البلاد… وجدير بالذكر أن منطقة القبائل ستقاطع الانتخابات كما حدث في « انتخابات تبون » و »الاستفتاء على الدستور ». وهذا ما يدل على أن مجموعة من الولايات الجزائرية لن تكون ممثلة في نتائج هذه الانتخابات، وأن أغلب الولايات ستكون مشاركتها فيها بشكل لا يمنح أية شرعية سياسية لنتائجها، حيث سيتم التزوير، ويعلن الجنرالات أن نسبة المشاركة كانت بـ 10% في تندوف » و20% في « بسكرة ». كما أن جزءا كبيرا من « بومرداس » سيكون مقاطعا، والأمر نفسه سيحصل في « البويرة »…. أضف إلى ذلك أن مناطق كل من « بجاية » و »برج بوعريب  » و »سطيف » ستقاطع بالإجماع. فوق ذلك، وبدون ممارسة الرعب من قبل الأجهزة الأمنية، فإن الجزائر بكاملها ستقاطع هذه الانتخابات، ما يعني أن المشاركة الجزئية فيها ليست اختيارا وطوعا، وإنما إجبارا وقهرا، ما يدل على أنها ستكون فاقده لأية شرعية سياسية، لأن الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري ستقاطعها، وأن الأقلية القليلة التي ستشارك فيها، ستفعل ذلك تحت إكراه رجال الأمن وضغطهم.

وهذا ما يفرض طرح السؤال التالي: إلى أين يسير الجنرالات بالبلاد؟ إنهم يدفعون الشعب إلى الانضمام إلى التيار الانفصالي؛ فمن الأكيد أن كثيرا ممن انضموا إلى هذا التيار قد فعلوا ذلك بؤسا، وليس قناعة بأنه هو الاختيار السليم؛ فمنهم من يرى أنه قد ضاع منه الجزء الأكبر، ويفضل الاكتفاء بالجزء الأصغر.

لذلك، فإن « الدولة المدنية » هي الحل، لأنها ستوحد البلاد. فقد تعترضها مشاكل في البداية بفعل « الثورة المضادة »، لكن الدولة المدنية ستحل كافة المشاكل على المدنيين المتوسط والبعيد، حيث سيكون الناس كلهم سواسية، والأمور شفافة، والقضاء عادل، والإعلام مستقل، والمجتمع حي، ما يفيد أن الدولة ستكون في خدمة المجتمع، لا في خدمة الجنرالات وعصاباتهم.

فالجنرالات والموالون لهم يدفعون في اتجاه تنظيم الانتخابات، لأنهم يعتقدون أن التزوير سيحل المشاكل كلها أمام الرأي العام الدولي، ما يمنحهم شرعية الاستمرار في السلطة، لكن هذا لن يحل مشكلتهم مع الشعب الجزائري الذي يطالب برحيلهم عن السلطة. وإذا كان الشعب قد عبر رفضه لهذه الانتخابات عبر رفعه لشعار « لا انتخابات مع العصابات »، فإن الجنرالات يسيرون في الاتجاه المعاكس لما يريده الشعب، لأنهم يريدون البقاء في السلطة ضدا على إرادته، الأمر الذي ينزع عنهم الشرعية السياسية. لقد أبدع الشعب الجزائري حراكه السلمي الحضاري، الذي أراده أن يكون ثورة بيضاء من أجل إنقاذ الوطن عبر بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة… كما أن هذا الاختيار السلمي يدل على أن هذا الشعب لا يريد الانتقام من أحد، بل إنه يريد استرجاع وطنه الذي ضاع منه وقد يضيع منه بسبب تحكم النظام العسكري في الوطن والشعب الجزائريين.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *