المغرب ما بعد جائحة كورونا: قوة صناعية رائدة

البشير الحداد الكبير

أثبتت جائحة كورونا أن المغرب يحتاج للصناعة أكثر من أي وقت مضى للإنخراط بشكل سريع في النظام العالمي الجديد، كما أثبتت هذه الجائحة أن المغرب يتوفر على مؤهلات بشرية هائلة ذات كفاءة عالية ستساهم بالدفع بالمغرب إلى صفوف الدول المتقدمة، تيقن المغرب أن القطاع الفلاحي والقطاع السياحي غير كافيين لدعم الإقتصاد الوطني وأن القطاع الصناعي هو الحل الأنسب لعدم التأثر في الأزمات الغير المتوقعة، ففي أزمة كورونا توقف القطاع السياحي كما أن القطاع الفلاحي تضرر بسبب الجفاف وعليه فالقطاع الصناعي هو الرافعة الأساسية للتنمية.

إن المملكة المغربية في العهد الجديد تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله دخلت لعالم الصناعة، حيث أنه في سنة 2005 تم إطلاق برنامج الإقلاع، وبعد مرور أربع سنوات أي في سنة 2009 تم إصدار الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي، وفي سنة 2014-2020 هناك مخطط تسريع التنمية الصناعية هذا المخطط جاء ليجعل من الصناعة قطرا للتنمية ومن أجل المساهمة في الناتج الداخلي الخام وتحسين وضعية الإستثمار ومن أجل خلق قيمة مضافة وفرص الشغل لمحاربة البطالة.

وبالتالي فالسؤال المحوري أي مغرب ننتظره ما بعد جائحة كورونا؟
للإجابة على هذه الإشكالية، فينبغي التطرق لبعض النقط:

+ »تعزيز الصناعات التقليدية » : سيعزز المغرب من الصناعات التقليدية(الحرف.. إلخ) بل سيدعم المقاولات في هذا المجال، لكونها تشكل عنصرا أساسيا في الإقتصاد الوطني، ونلاحظ أن مرسوم الصفقات العمومية الجديد 2.19.69(1) جاء بمعطى مهم وهو إدراج التعاونيات واتحاداتها في الطلبيات العمومية تماشيا مع القانون المنظم للتعاونيات 112.12(2)، فهذه التعاونيات والمقاولات الذاتية تشغل العديد من المواطنات والمواطنين،مما يساهم بشكل مباشر في التقليل من معدل البطالة.

+ »التعزيز من الصناعة الكهربائية والإلكترونية والميكانيكية والحديدية والكميائية وصناعة النسيج ».

+ »التعزيز من الصناعات الثقيلة » :أثبت المغرب أنه بلد رائد في الصناعات الثقيلة(السيارات نموذجا) كما أنه استقطب استثمارات في هذا المجال ويعمل على التصدير، رونو بطنجة وبيجو بالقنيطرة وصناعات إطار العجلات، بالإضافة إلى الصناعة في ميدان الطيران والفضاء.

+ في ظل أزمة كورونا، أثبت المغرب ذاته من خلال صناعة الكمامات، وكذلك صناعة الأجهزة التنفسية، وصناعة الأدوية، إذ حقق إكتفاءا ذاتيا،وعمل على التصدير مما جعل منه قوة إقليمية ودولية، دون أن ننسى المبادرة الملكية السامية والإنسانية لمساعدة 15 دولة إفريقية في المجال الطبي.

+ »تعزيز الصناعة الغذائية »، في عز أزمة كورونا حيث أن العديد من الدول تعاني من النقص في الأمن الغذائي، حقق المغرب إكتفاءا ذاتيا،دون أن ننسى المغرب يعتمد في هذه الصناعة على التصدير من خلال شراكات كالإتحاد الأوروبي.

+ »تقوية الصناعة العسكرية »، في جائحة كورونا تم عقد مجلس وزاري تفعيلا للفصل 48 من دستور 2011 (3)، وبقراءة لبعض المقتضيات التي تم التداول فيها نجد أنه تمت المصادقة على ثلاثة مشاريع قوانين تهم المجال العسكري ومشروع مرسوم يتعلق بإعادة تنظيم المدرسة الملكية الجوية بالإضافة إلى اتفاقية التعاون العسكري والتقني مع دولة الأردن، حيث نلاحظ أن المغرب يتجه نحو الصناعة العكسرية من أجل تحقيق الإكتفاء الذاتي وتطوير قدراته الدفاعية والهجومية كما أن لجوء المغرب أيضا للصناعة العسكرية تماشيا مع الأحداث الخارجية خاصة في منطقة الساحل الإفريقي وشمال إفريقيا، دون أن ننسى تعزيز التعاون الأمني الدولي،فجلالة الملك بإعتباره هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ورئيس أركان الحرب العامة بموجب الفصل 53 من الدستور أعطى تعليماته السامية ليباشر المغرب في صناعة الأسلحة ومعدات الدفاع ليصبح بذلك قوة إستراتيجية.

فالمغرب بمصادقته على مشروع قانون الذي يهم الصناعة العسكرية، يريد تقنين أنشطة التصنيع والتجارة والاستيراد والتصدير ونقل وعبور المعدات والتجهيزات العسكرية،من خلال إحداث نظام ترخيص لممارسة هذه الأنشطة ونظام للتتبع ومراقبة الوثائق.

خلاصة:
إن المغرب يتجه ما بعد جائحة كورونا لتقوية صناعته عبر تشجيع المقاولات الوطنية وخلق الثروة وتوفير مناصب الشغل، فأزمة كورونا أثبتت أن المغرب يتوفر على كفاءات وطنية عالية المستوى لهذا سيركز على دعم التكنولوجيا والبحث العلمي والإختراع.

إن إتجاه المغرب نحو الصناعة عبر تقوية المقاولات الوطنية يأتي تماشيا مع روح الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش لسنة 2018 إذ أكد جلالة الملك أعزه الله على الإرتقاء بتنافسية المقاولات الوطنية لاسيما الصغرى والمتوسطة والتي تشكل 95٪ من النسيج الإقتصادي الوطني، وبقدرتها على التصدير.

إن المغرب ما بعد جائحة كورونا سيتجه نحو تشجيع المقاولات المنتجة والمبادرات الجادة والمشبعة بروح الإبتكار، دون أن ننسى أن جلالة الملك حفظه الله حث في خطاب افتتاح البرلمان لسنة 2019 القطاع البنكي والمالي على دعم المقاولات، لأن المشاريع تحتاج لتمويل والقطاع البنكي يعتبر حجر الزاوية في النموذج التنموي الجديد، وتوجه المغرب نحو دعم المقاولات لتعزيز التنافسية الوطنية هو خيار استراتيجي دستره المغرب في الوثيقة الدستورية الجديدة من خلال الفصل 35 الذي يؤكد فيه على ضمان الدولة حرية المبادرة والمقاولة والتنافس الحر.

إن توجه المغرب نحو التركيز على الصناعة سيجعل منه قوة إقليمية في القارة الإفريقية وفي الشرق الأوسط، بحيث سيكتسب العديد من الشركاء الإقتصاديين.

وقبل الختم سنستحضر مقتطفا من الخطاب الملكي السامي لجلالة الملك نصره الله بمناسبة افتتاح البرلمان لسنة 2019،إذ قال جلالته : »… إن المرحلة الجديدة تبدأ من الآن، وتتطلب انخراط الجميع، بالمزيد من الثقة والتعاون ، والوحدة والتعبئة واليقظة، بعيدا عن الصراعات الفارغة، وتضييع الوقت والطاقات… » وبالتالي ستشكل الصناعة العمود الفقري للنموذج التنموي الجديد من أجل مغرب أفضل قائم على العدالة الإجتماعية والمجالية.

الهوامش:
1-مرسوم 2.19.69 الصادر في 24 ماي 2019 القاضي بتغيير وتتميم مرسوم 2.13.349 المتعلق بالصفقات العمومية،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6783 بتاريخ 3 يونيو 2019،الصفحة: 3434.
2-ظهير شريف 1.14.189 الصادر في 21 نونبر 2014 بتنفيذ القانون 112.12 المتعلق بالتعاونيات،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6318 بتاريخ 18 دجنبر 2014،الصفحة: 8481.
3-ظهير شريف 1.11.91 الصادر بتاريخ 29 يوليوز 2011 من أجل تنفيذ دستور 2011،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر،بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة: 3600.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *