بوبكري يكتب : دخول جنرالات الجزائر في صراعات قد تفضي بنظامهم إلى الانهيار

محمد بوبكري

يكاد يجمع أغلب المتتبعين للشأن الجزائري على أن هناك تطاحنات كبيرة بين مختلف أجنحة الجنرالات العديدة، الذين صاروا فرقا وشيعا تصفي بعضها بعضا، حيث ليس هناك انسجام بينهم، ويعمل بعضهم على تنحية البعض الآخر.

وللتدليل على ما أقول، فقد وردت أخبار من أوساط العسكر تفيد بأن الفريق الأول « بن علي بن علي » قد أخبروه بإحالته على التقاعد، لكنه رفض ذلك قائلا: أنا باق في منصبي، ولن يستطيع أحد تنحيتي، ومن يرى نفسه قادرا على ذلك، فليفعل. وبالرغم من كثرة الإشاعات التي تدور حول إحالته على التقاعد، ما يزال هذا الفريق الأول في منصبه إلى اليوم. ويتميز هذا الضابط السامي بكونه آخر حبة في عنقود المقاومين الذين انخرطوا في حرب التحرير الجزائرية، كما أنه أخ لشهيد حركة التحرير الجزائرية « العقيد لطفي ». وهذا ما يزعج ضباط فرنسا، لأنه يشعرهم بخيانتهم الوطنية، وخصوصا خالد نزار. كما أنه كان صديقا وفيا للجنرال « القايد صالح »، ومقربا منه، ومستشارا له. لذلك، فإن الجنرالين « خالد نزار » و »توفيق مدين » يحقدان عليه ويعتبرانه مسؤولا عن الأحكام التي صدرت في حقهما وفي حق أفراد عصابتهما. ونظرا لكون الفريق « بن علي بن علي » وفيا للجنرال « القايد صالح »، فإنه لا يتردد في الإعلان في أوساط محيطه عن عدم اتفاقه مع السياسة التي يمارسها « سعيد شنقريحة » الذي يعمل على تصفية تركة « القايد صالح »، ما أثار حقد أعضاء العصابة الحاكمة في جزائر اليوم، لأنها ترى فيه عائقا في وجه تنفيذ مخططاتها، خصوصا أنه لا يتردد في الإعلان عن مساندته لمطالب الحراك الشعبي الجزائري ومحاكمة الفاسدين، كما أنه ضد ممارسة كل أشكال العنف ضد الشارع الجزائري، ما يرى فيه هؤلاء خطرا عليهم، وعلى أوهامهم التي يرغبون في تحقيقها… هكذا، فإن هذه العصابة ترى في الفريق الأول « بن علي بن علي » عدوا لها، ولذلك ترغب في إحالته على التقاعد حتى يخلو لها الجو لتفعل ما تشاء؛ فهي ترغب في الانتقام من تركة « القايد صالح » وجماعته وأسرته. لكن يرى بعض المتتبعين أنه من الصعب على هذه العصابة أن تبعد « بن علي بن علي »، لأنه هو قائد « الحرس الجمهوري »، ومدير « الأمن الرئاسي »، ما جعله يحظى بمساندة %80 من كبار ضباط الجيش الجزائري. تبعا لكل ذلك، فإن العصابة الحاكمة تريد التخلص منه، لأنها تخشى قوته العسكرية ورصيده الرمزي، وهذا ما جعله وأنصاره يشكلون جناحا عسكريا مستقلا بذاته.

ويعد الجنرال « سعيد شنقريحة » ممثلا للجناح الثاني؛ فهو نائب لرئيس الأركان لم تتم ترقيته بعد إلى رئيس الأركان، لأن الجنرالات يربطون ذلك بتوازنات معينة.

أضف إلى ذلك أن هذا الشخص متحكم في تبون، حيث يملي عليه قرارات عصابته ومستشاريه. وهذا ما ساعد الأول على تعيين صديقه ورئيسه السابق « الجنرال عبد العزيز مجاهد » مستشارا لـلثاني في الشؤون الأمنية والعسكرية. وهذه نقطة سوداء تكشف خبث نوايا الجنرال « شنقريحة »، لأن الجنرال « مجاهد » له سمعة سيئة جدا، لضلوعه في جرائم « العشرية السوداء » إلى جانب الجنرالين « توفيق مدين » و »خالد نزار »، ما ينم عن احتمال تخطيط هؤلاء جميعهم لإدخال الجزائر في مرحلة دموية أخرى.

إضافة إلى كل من جناح الفريق أول « بن علي بن علي » وجناح الجنرال « سعيد شنقريحة »، هناك جناح ثالث يقوده الجنرال « بوعزة واسيني » مدير المخابرات الداخلية الذي يمتلك، رغم ضعفه، معلومات عما يجهرون به وما يسرون، لأنه يرأس أجهزة التنصت على مكالماتهم، ما جعله يمتلك ملفاتهم، كما أن له عينا وأذنا في كل مكان من التراب الجزائري، حيث يتابع ما يجري في جميع الأوساط الرسمية والمعارضة، الأمر الذي يمنحه سلطة خاصة.

ويقود الجناح الرابع الجنرال « عبد القادر لخشم »، المعروف لدى الجزائر بـ » جنرال الذباب الإلكتروني »، الذي يجند مئات الشباب مقابل مبالغ مالية، من أجل شيطنة المعارضين وترويج الإشاعات ضدهم عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنه يسعى إلى الإيقاع بينهم للزج بهم في حروب وتعميق تناقضاتهم من أجل إضعاف شوكتهم وتفتيت صفوف الحراك… كما يسعى هذا الجنرال إلى إلحاق جماعة باب الزوار به، التي هي جهاز استخباراتي يراقب وسائل التواصل الاجتماعي ويلغمها، وهو جهاز مهم تابع للشرطة ولجهات أخرى في الآن نفسه.

ويوجد أيضا جنرالات آخرين غير مرتبطين رسميا بالأجنحة السالفة الذكر. ويدل كل ذلك وغيره على أنه رغم قوة الجنرال « شنقريحة »، فإنه لا يزال لا يتحكم في كل شيء، كما كان عليه الحال في عهد « القايد صالح » الذي استطاع التحكم في كل الأجهزة، ما مكنه من اتخاذ ما شاء من قرارات، حيث أقال » عبد العزيز بوتفليقة » واعتقل أقرباءه، واعتقل الجنرال « توفيق » والجنرال « طرطاق »، وحكم على الجنرال خالد نزار بعشرين سنة سجنا، ما أدى بهذا الأخير وبجنرالات آخرين إلى الفرار إلى الخارج…

تبعا لذلك وغيره، ليست العلاقات بين جنرالات جزائر اليوم على ما يرام، حيث يطغى عليها التوتر، الذي قد يؤدي بالمؤسسة العسكرية إلى الانهيار. وتنعكس هذه الصراعات على السلوك المتردد لـ « عبد المجيد تبون »، الذي يتعرض لضغوطات مختلفة ومناقضة، حيث قد يتخذ قرارا، فيقوم جناح عسكري معين بإلغائه. لذلك، فإن ارتباك قرارات هذا الشخص تؤكد الصراع المحتدم بين مختلف أجنحة الجنرالات، التي يسعى كل واحد منها إلى الهيمنة على الأجنحة الأخرى. لذلك، يكفي أن ترتفع ضغوط الحراك الشعبي على الجنرالات ليتعمق التطاحن بين أجنحتهم، ما قد يؤدي إلى انهيار المؤسسة العسكرية الجزائرية، حيث ستتفتت وتختفي سياسيا…

فضلا عن ذلك، فإن فساد الجنرالات ونهبهم لأموال الشعب الجزائري قد حول الخزينة الجزائرية إلى مجرد علبة سجائر فارغة، والدينار الجزائري يعيش انهيارا لم يعرفه من ذي قبل، ونتيجة لذلك فالجزائر تعيش أزمة اقتصادية خانقة، حيث يعاني الشعب الجزائري من ندرة السيولة النقدية في الأبناك، وفي المواد الأساسية في السوق، ومن الارتفاع الفاحش لأسعارها، لأن قدرته الشرائية ضعيفة….

نتيجة ذلك، فقد تأكد أن العصابة الحاكمة وتبون ومساعديه ليست لهم خبرات، ولا كفاءات، ولا قيما لتدبير البلاد وما تعرفه من أزمات وتوترات. فالأوضاع تزداد سوءا والجنود وكل من رجال الدرك والشرطة قد تعبوا، بل كانت هناك محاولات لتمرد رجال الشرطة، لأنهم يتألمون نتيجة دفعهم لممارسة العنف ضد الحراك الشعبي السلمي. ومن المحتمل جدا أن تحدث مستقبلا أشكال أخرى من تمرد رجال الأمن…

لذلك، يرى أغلب وجوه الحراك الشعبي الجزائري ضرورة استمرار الشارع في ممارسة الضغوط السلمية على الجنرالات ليستسلموا ويقبلوا مطالب هذا الحراك الحضاري ليتمكن الجزائريون من خلق شروط تمكنهم من بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة تقطع جذريا مع استبداد نظام العسكر الجزائري…

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *