بوبكري يكتب: رفض ثقافة القبلية والطائفية للحوار ودعوتها لحروب لا تقدر عليها

محمد بوبكري

بعد قرار المغرب فتح مكتب للاتصال بإسرائيل، ارتفعت أصوات قومجية وأخرى طائفية في المغرب تدعي تقديسها للقدس، مع أنها لا تتوقف عن المتاجرة بالقضية الفلسطينية التي حولها القومجيون والإسلامويون إلى تجارة تدر عليهم الأموال، فسموا ذلك نضالا مع أنه مجرد تجارة منظمة. وهذه هي قمة خيانة للوطن وللقضية الفلسطينية.
على أصحاب هذه الأصوات أن يعلموا أن تقديس القدس يجعل الرأي العام الدولي يفهم أن الصراع في الشرق الأوسط هو صراع ديني وعرقي يخوضه عرب هذه المنطقة ومسلموها ضد اليهود، ما يحول هذا الرأي العام ضد القضية الفلسطينية… وللتدليل على ما أقول، فإن « حماس » وغيرها من جماعات الإسلام السياسي التكفيري، نتيجة تحويلها للصراع مع إسرائيل إلى صراع ديني، فقد تسببت في إضعاف الدعم العالمي للقضية الفلسطينية، لأنهم منحوها وجها إرهابيا عنصريا قومجيا… فما لا يعيه شيوخ هذه الجماعات والزعامات القومجية هو أن خطابهم قد شوه صورة فلسطين وسكان هذه المنطقة جميعا، بحيث تحولت القضية الفلسطينية من قضية عادلة إلى تهديد للمختلفين معهم دينيا وعرقيا.

إذا كانت القضية الفلسطينية قضية عادلة، فإنه ينبغي الدفاع عنها بخطاب حضاري ووسائل عادلة. في حين لا يفهم هؤلاء الشيوخ والزعماء القومجيين أن العالم قد تحول فكريا وثقافيا، وأنه صار عالما للتعدد والتنوع والاختلاف…

ومن الواضح أن هذه المفاهيم تتعارض مع مفهوم القبيلة والطائفة والجماعة، التي هي مفاهيم إقصائية وتطهيرية عرقيا ودينيا. وهذا ما فهمه المغرب بحكمته وبعد نظره منذ عقود، حيث كان الفشل هو مآل الذين عارضوا هذا الفهم، ما جعلهم يظهرون بمثابة مجموعة من الحمقى أو المجنونين في أعين العالم الحديث، فكان مصيرهم الهلاك، دون أن تجني منهم القضية الفلسطينية، ولا بلدانهم أي شيء، بل تركوا بلدانهم بعد رحيلهم في مستنقع الصراعات والحروب والفتن التي تجازف بتفتيت أوطانهم.

يقوم الفهم القبلي والطائفي على الحرب، لأنه يسعى إلى تطهير الأرض من المختلف معه؛ أي ممن هو خارج القبيلة والطائفة، ما يعني أن القبلية والطائفية تحملان دعوة إلى رفض الآخر، الأمر الذي يتعارض جذريا مع روح العصر.

وإذا كان شيوخ جماعات الإسلام وزعماء القومجية يفتخرون بعنفهم لدرجة أنهم صاروا يتغنون به، فإن ثقافة القرون الوسطى لكل من القبيلة والطائفة قد حولت مواطني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى مجموعة من المرفوضين في كل الفضاءات العمومية في كل القارات، لأن العالم صار ينظر إليهم بكونهم إرهابيين يجب الحذر منهم ورفضهم.

ترفض ثقافة كل من القبيلة العربية والطائفة الإسلامية المتطرفة الآخر ولا تعترف به، وبالتالي ترفض معه. والذي يرفض الحوار مع المختلف عنه أو معه هو مجرد مخلوق لا يفكر، ومتوحش تعوزه الحجة. والتوحش لا يعرف إلا لغة الافتراس، أي الحرب، ما يعني أنه يريد القضاء على الآخر، أو الانتحار. وفي كلتا الحالتين، فهو مريض.

إن الحوار خاصية إنسانية، حيث تأكد تاريخيا أنه ينتج المعاني الكبرى والقيم العليا، كما أنه يجنب الإنسانية الكوارث. لذلك، من لا يؤمن بالحوار لحل المشاكل فهو ليس إنسانا، بل إنه وحش لا يعي أنه لا مكان للتوحش في عالم اليوم.

لقد دعا المغرب إلى الحوار من أجل حل القضية الفلسطينية، لأنه يعي جيدا أن الحرب لن تحل هذه المشكلة، وأن السلام يولد من رحم الحوار، كما أن العرب عاجزون عن الدخول في حرب مع إسرائيل. وإذا اندفعوا إليها، فإنهم سينهزمون، وستكون الكلفة باهظة. وقد انتبه الفلسطينيون باكرا إلى ذلك، لكن الزعامات القومجية وشيوخ جماعات الإسلام السياسي التكفيري قد أجهضت كل محاولاتهم عن طريق المزايدة عليهم، كما يفعلون اليوم مع المغرب الذي التزم دوما بالقضية الفلسطينية، وسيظل كذلك حتى تحقيق المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني. ويعود إقدام هذه الزعامات وهؤلاء الشيوخ على هذه المزايدات إلى أنهم يرفضون استقلال الفلسطينيين بقرارهم، ويريدوا أن يقرروا في مصيرهم مكانهم، لينالوا اعتراف الغرب بهم من أجل تحقيق مصالحهم الضيقة الخاصة.

وما لا يعلمه الرأي العام في منطقة الشرق الأوسط هو أنه لا توجد دولة واحدة في هذه المنطقة ليست لها علاقة رسمية، أو سرية، مع إسراىئيل، بل إن كل من يلتقي سرا بالمسؤولين الإسرائيليين يمارس الوشاية بمن يقيم معهم علاقة علنا. هكذا، فإذا كان الجزائريون يزايدون على المغرب بكونهم قلعة للصمود في وجه التطبيع مع إسرائيل، فإنهم طلبوا من دول الخليج 23 مليار دولار مقابل التطبيع الجزائري!! ويعني ذلك أن الجنرالات الذين يتحكمون في الجزائر لا أخلاق ولا مبادئ لهم. فقد أفرغوا خزائن دولتهم، جراء نهبهم أموال الشعب الجزائري، وهم يتقاتلون فيما بينهم من أجل السلطة، لأنها تجلب لهم الأموال الطائلة، كما أنهم مستعدون لبيع فلسطين مقابل المال، ولا قيمة للشعب الفلسطيني ولا للشعب الجزائري أمام المال.
أما المغرب، فقد أقام مكتب للاتصال في إسرائيل، لأن له جالية مغربية هناك، تعز المغرب والمغاربة، ونحن نعزها ونعتز بها، ولا أحد ولا شيء يمكن أن يفصلنا عن المسلمين واليهود المغاربة في المهجر، لأنهم إخواننا في الوطن. وللتدليل على ذلك، فإن اليهود المغاربة في المهجر ما يزالون مرتبطين بعلاقة البيعة مع ملك المغرب، وهم يعبرون عن وفائهم للملك وتقديرهم العالي له، ولا يتركون أي فرصة تمر دون التعبير عن تعلقهم بالمغرب وطنا وملكا وشعبا.

إن هؤلاء اليهود المغاربة ما يزالون متشبثين بالمغرب وبثقافته المتنوعة، حيث إنهم ما يزالون يتكلمون اللغة الأمازيغية ويغنون ويرقصون على كل أنواع فن الغناء المغربي…كما أنهم يحضرون الوجبات المغربية بمختلف أنواعها. أضف إلى ذلك أنهم يدافعون عن المغرب وقضاياه في كل المحافل الدولية من أجل وحدته الترابية وقضايا تنميته. ولاشك أن هذه الاعتبارات وغيرها، بالإضافة إلى المكانة الرمزية والاحترام والتقدير الكبيرين اللذين يحظى بهما ملك المغرب لدى اليهود الإسرائيليين من أصول مغاربة، قد تجعل المغرب البلد العربي المؤهل أكثر من غيره لحمل إسرائيل على عقد حوار بناء وجاد ومثمر لإيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية.

وإذا كان حكام الجزائر يدعون أنهم ينطلقون من مرجعية حقوقية لمساندة من يسمونه بـ « الشعب الصحراوي »، لنيل حقوقه المزعومة، فإنهم في العمق يسعون إلى فصل الصحراء المغربية عن وطنها الأصلي والاستيلاء عليها، فينفون بعد ذلك المدعو « إبراهيم غالي » وشرذمته، حتى يتمكنوا من نهب خيرات الصحراء المغربية كما فعلوا ويفعلون بأموال الشعب الجزائري. هكذا، يتأكد بأن ما يهم جنرالات الجزائر هو المال، وأنهم لا يدينون إلا به، كما أنهم حولوه إلى عقيدة مطلقة. ثم إذا كانوا يؤمنون بحقوق الإنسان، فليمنحوا للمغاربة المحتجزين في تندوف حق الاختيار بين البقاء هنا أو العودة إلى وطنهم الأصلي المغرب. فالواقع أنهم لا يؤمنون بحقوق الإنسان، وإنما هم مجرد عبدة للتوسع والمال حيث إنهم مستعدون لقتل من يقف في وجه توسعهم من أجل الإثراء.

لذلك، يتوجب على هؤلاء الحكام أن يفهموا أن حيلهم وألاعيبهم لم تعد تنطلي على أحد، وأنه يتحتم عليهم أن يقبلوا بالأمر الواقع، لأن ملف ما يسمى بـ »الصحراء الغربية » قد تم طيه نهائيا، وأن المغرب كان دوما في صحرائه، وأن صحراءه كانت دائما في مغربها. وعلى أفراد ما يسمى بـ »جماعة البوليساريو » أيضا أن يعوا أن أوهامهم قد تبخرت، وأن منظمات دولية كثيرة، بما فيها شركة « غوغل Google  » قد بدأت تنشر خارطة المغرب بصحرائها كاملة، ما يعني أن أمر العصابة قد قضي، ما يحتم عليها العودة إلى المغرب، لأن « الوطن غفور رحيم »، كما قال الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني. وإذا لم يفعلوا ذلك، فسينتهي بهم المطاف بالزج بأنفسهم في الإرهاب الدولي، حيث سيلقون حتفهم، وتذهب عقاراتهم في بلاد الغرب وأرصدتهم البنكية في المصارف الغربية سدى، لن يستفيدوا منها لا هم ولا أبناؤهم….

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *