فشل جنرالات الجزائر في إحداث أي تغيير وإصرارهم على السير بالبلاد نحو الانهيار

محمد بوبكري

يرفض جنرالات الجزائر إعادة النظر في ذواتهم، بل إن استبدادهم جعلهم يستمرون في ممارساتهم العدوانية ضد الشعب الجزائري وجيرانه؛ فهم لا يفهمون أنهم هم سبب انفجار الحراك الشعبي الذي صار لا يثق فيهم ويرفض منهم أي شيء، بل يطالبهم بالرحيل. ورغم ذلك، يبدو اليوم أن ممارساتهم لا تتضمن أي مؤشر يوحي للجزائريين بأن هناك أملا في التغيير، حيث انبعثت الدولة القديمة من جديد، فعاد الجنرال الجزار « خالد نزار » إلى الجزائر على متن طائرة رئاسية، وحظي باستقبال رسمي، كما عاد ضباط آخرون كانوا فارين إلى الخارج بسبب صدور أحكام بالسجن في حقهم بسبب ممارساتهم في للفساد والعنف والتقتيل الجماعي، كما خرج الجنرال « توفيق محمد مدين » من السجن صحبة بعض أتباعه، فتم إغلاق ملفات العائدين من الخارج والمفرج عنهم في آن واحد، فعادت عصابة « نزار »وتوفيق » إلى السلطة، ما جعل بعض المتتبعين والمعارضين الجزائريين يستنتجون أن الجنرال « خالد نزار » هو الرئيس الفعلي السري لجزائر اليوم…

وتفيد عودة العصابة القديمة إلى السلطة أن الجزائر قد عرفت انتكاسة كبيرة، وإهانة لذكاء الشعب الجزائري ونباهته، حيث بات بعض الخبراء في الشأن الجزائري مقتنعين أن الجزائر سترجع إلى مرحلة تسعينيات القرن الماضي، وعودة إلى « عشرية سوداء  » أخرى تفتك بالشعب الجزائري. كما أن « مجلس الأمة » لا يزال هو نفسه ذلك الكيان الذي تم فرضه في عهد « بوتفليقة ». أما الدستور فلا شرعية له، لأن عشرين مليون جزائري وجزائرية قد قاطعوا الاستفتاء عليه، والحكومة لا تزال هي نفسها، بل تم إدخال تعديل طفيف عليها تم بموجبه منح عضويتها لبعض رجال « بوتفليقة » وأتباعه.
هكذا يتأكد أن الجزائر قد عادت إلى العهود البائدة. وللتدليل على ما أقول، لم تتم المناداة على أي معارض سابق في عهد « بوتفليقة » لتحمل مسؤولية معينة على مستوى الإدارات، أو المؤسسات الكبرى… كما أن الولاة بقوا هم ذواتهم، حيث ما تزال نفس العقليات والممارسات على مستوى الولايات…

بناء عليه، فقد عاد ت الجزائر إلى عهد « بوتفليقة » بعصابته وفساده وعنفه وتقتيله، ما يدل على أن السياسات لن تتغير أبدا في هذا البلد، وأن دار لقمان قد بقيت على حالها، وأن البلاد لن تعرف أي إصلاح يزرع الأمل في نفوس الشعب الجزائري. وهذا ما يفسر استمرار الحراك بقوة وزخم ومطالبته بتغيير نظام العسكر في أفق بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
ورغم ذلك، لم يقم المتحكمون في الجزائر بأي شيء لطمأنة الشعب الجزائري، حيث لا أفكار جديدة، ولا مشاريع جديدة، ولا جوه جديدة…، والأحزاب بقيت على حالها، فلم يطرأ عليها أي تغيير نوعي، مما يعني استمرار مؤسسات الاستبداد وثقافتها وعنفها، ونهب أموال الشعب الجزائري وتفقيره وتجويعه وتجهيزه…

بالإضافة إلى ذلك، فالجزائر تعيش أزمة اقتصادية خانقة، حيث ارتفعت نسبة التضخم، وانهارت قيمة الدينار، وارتفعت الأسعار، وانعدمت السيولة النقدية في الأبناك ومراكز البريد، ولم يعد الموظفون قادرين على سحب مرتباتهم، بل منهم من يشتغل في مكان ويضطر للتنقل لسحب ما يحتاجه من نقود في مدينة أخرى، بل غالبا ما يفرض عليه دفع الرشوة للتمكن من سحب راتبه، أو نسبة كبيرة منه. هكذا، فلا شيء يوحي بأن هناك أملا في التغيير، بل إن الوضع يزداد سوءا.

إن الشعب الجزائري يريد حلا، ويعي أن الحل الذي يريده يقتضي تغيير نظام العسكر عبر القطيعة الجذرية معه على كافة المستويات. وعوض أن يقوم الجنرالات بمبادرات في هذا الاتجاه، فإنهم ينبهون الشعب على لسان « تبون ». والخروج للتظاهر في الشارع قد يجر الجزائر إلى أن تعيش ما عرفته سوريا من أوضاع مأساوية، ما يفيد أن العسكر يعتبرون أن الخروج إلى الشارع هو سبب خراب سورية، في حين يتناسون أن استبداد نظام الأسد وفساده هو السبب فيما آلت إليه من دمار… والعسكر في الجزائر يدافعون عن إخوانهم العسكر في سوريا، لأنهما يمتحان من النبع نفسه، ويقومون بالممارسات نفسها. وإذا كان الأوائل يمجدون الأواخر، فإن هذا يكشف عن نيتهم في اللجوء إلى توظيف الجيش في محاربة الحراك الشعبي، الأمر الذي قد ينتج عنه تدخل القوى العظمى لإنقاذ الشعب الجزائري من قمع العسكر، مما سيأتي على نظام العسكر الجزائري، حيث من المحتمل أن تعرف الجزائر المآسي نفسها التي عرفتها العديد من أنظمة العسكر في العديد من بلدان الشرق الأوسط، وأن يزداد الوضع تعقيدا في هذا البلد، لأن حكامه يفكرون بطريقك بائدة، فلا يحترمون الشعب، ويقومون بممارسات خارج القانون الذي هو قانونهم، ولم يصدر عن الشعب الجزائري. كما أنهم يصرون على ضرب حرية التفكير والتعبير، لأنهم يلجؤون إلى توقيف ومحاكمة واعتقال كل من ينتقد الوضع الجزائري الكارثي الذي هم سببه. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إنهم يقومون بتخوين كل من ينتقد سياساتهم وفسادهم وعنفهم، ولا يتوقفون عن مطاردتهم في البلدان التي يقيمون فيها…

لذلك، فهناك تحديات تواجه جزائر اليوم. وإذا أصر حكامها على التمسك بنهجهم البائد، فإنهم يهددون بلدهم بالانهيار، ما يدل على أنهم يفضلون تلبية شهواتهم على حساب مستقبل الوطن والشعب الجزائريين. وتلك هي الخيانة الوطنية العظمى التي تعاقب عليها الشرائع السماوية والأرضية في آن واحد. أتمنى للحراك الشعبي الجزائري السلمي الحضاري التوفيق في بناء دولة مدنية ديمقراطية، والقدرة على تجنب انهيار الكيان الجزائري….

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *