نادية بنصالح تكتب: آن الأوان (2)

بقلم: نادية بنصالح إطار بوزارة الدولة المكلفة بحقوق الانسان والعلاقات مع البرلمان

الوعي والإدراك
وجود الشبكة المجتمعية (مشكلة فلسفية) يحتم تحديد الزمكان لمعرفة الجواب على مجموعة من الأسئلة التي تتعلق بوجود العقدة داخل الشبكة ( أين، مع من، كيف، لماذا، …) بمعنى ماهو الدور المنوط بالعقدة= الفرد ؟

عند الإجابة على هذه الأسئلة التي تبدو بديهية يتم الإدراك و الوعي على أن أهمية وقوة وجود الفرد كعقدة في منظومة متكاملة ومتداخلة مع مجموعة عقد تقوي وتدعم بعضها البعض، تكمن في إدراك ووعي جماعي بضرورة التعاون والتكافل وتكثيف الجهود لحماية الشبكة المجتمعية، فمقام كل عقدة كبيرة أو صغيرة لها دور فعال في انسجام وتمتين أواصر الترابط والتلاحم بين مختلف العقد وإن تباعدت مقاماتها.

إن الوعي والإدراك هما أمران يوجبان على كل عقدة الإيمان بالاختلاف، الاحترام، التشاور، التواضع …. لتوحيد الأهداف وتحديد الآليات لتحقيق الغاية المرجوة (الرقي بالمجتمع).
واللاوعي واللا إدراك يجعلان العقد تتنافر وتتضارب ليصبح الحال القائم – شد لي نقطع لك – والنتيجة هي تفكك عقد الشبكة المجتمعية وتسرب اليأس والتشكيك وعدم تقبل الآخر، ليفسح المجال لإنتاج سلوكات أنانية (التكبر، الاستعلاء، الإذلال، الاحتقار، التبخيس…) كلها عوامل تؤدي إلى التعرية _بمفهومها الجغرافي _ التي تنخر العقد الضعيفة ليصبح الوضع شاذ تطغى فيه المظاهر الجوفاء على صلابة اللب والجوهر.

قال الشاعر أبو الطيب المتنبي:
ملأى السنابل تنحني بتواضع
والفارغات رؤوسهن شوامخ.

التفاعل
الإنسان كونه عقدة هو كائن حي يختلف عن مجموع المخلوقات بالعقل فهو يفكر، يحلل ليدلي برأي الذي هو في الأساس رأي نسبي يخصه وحده ولوحده، أي فكر وقدر حسب فهمه وحسب المعطيات المتوفرة لديه وكذا آليات التحليل التي يمتلكها (تكوينه، تعليمه، مبادئه، تجاربه، التأثيرات الخارجية عليه و …) ليكون رأيا معقلنا كما يظن عند الإدلاء به في أي مسألة صغيرة كانت أوكبيرة داخل البيت، المحيط أو الشبكة المجتمعية ؛ وهذا ما يسمى بالتفاعل وهو معادلة علمية ( رياضية أو فيزيائية كيميائية ) للحصول في الأخير على نتيجة إيجابية أو سلبية حسب توفر ميكانيزمات التفاعل؛ تستلزم شروطا ضرورية للوصول إلى النتيجة :
1- الملاحظة : عناصر المعادلة
2- الفرضية : السؤال ما المطلوب من هذه العناصر
3- التحليل : وضع الإطار، التنزيل، المراقبة…
4- الخلاصة : النتيجة إيجابية أو سلبية.

وهذا ما يسمى بمستوى التفاعل الأول الخاص بالعقدة الوحيدة من بين مستويات تفاعل أخرى مرتبة بشكل تصاعدي داخل الشبكة المجتمعية.

المستوى الثاني هو تشاركي يتطلب شروطا لتحقيقه (التحاور، المناقشة، الإدلاء بالحجج والإقناع) وهو مستوى يجمع بين مجموعة من المكونات=العقد، لدى كل عقدة رأي نسبي يخص مسألة واحدة أبدت فيها هذه المكونات رأيها النسبي لأجل توحيد الخلاصة (التوجيه أو المقررات) فيما بينها على المستوى العمودي للشبكة المجتمعية (الكتلة(.

المستوى الثالث فهو ترافعي مطلبي، وكما ذكر في المستوى الثاني (التشاركي) فهو يتطلب نفس الشروط لتحقيقه إلا أنه موجه بشكل تصاعدي في الشبكة المجتمعية (العقد التي تحيط بالعقدة النواة) من أجل الصياغة ورفع التقرير النهائي لنتيجة التفاعل.

المستوى الرابع التقريري فهو تنزيلي ومراقبتي لما خلصت إليه المعادلة العلمية بفضل تفاعل جميع العقد بشكل فعال ومقنع، وبفعل مشاركة الجميع في النتيجة والإحساس بالمسؤولية للحفاظ على ما اتفقت عليه جميع مكونات الشبكة المجتمعية القوية لأمة راقية.

قال الشاعر أبي العلاء المعري :
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل
عفاف وإقدام وحزم ونائل

الأمان
الأمان أمر جميل ورائع وضروري لحياة آمنة، والأروع هو الشعور والإحساس به والفرق بين الاثنين شاسع؛ فيمكن أن يكون مفروضا عليك وبشروط ومجبر على العيش فيه دون اطمئنان فتجد نفسك تعبر عن ارتياحك بشكل تلقائي وعلى سبيل المثال لا الحصر واقتباسا من ذاكرتنا الشعبية (بخير، عدي…)، لكن الشعور بالأمان هو نعمة تتوفر عندما تكون شائعة بين العقد =الأفراد واستقرار يكون بمثابة منشطات تحفز الملكات الدفينة لدى العقد وتثيرها وتجعلها كنبراس تضيئ من حولها خاصة ملكة الإبداع، الاختراع… فالإحساس بالأمان يبعث الطمأنينة ليطلق العنان للحلم الواقعي الممكن تحقيقه ومشاركته مع الآخرين ليعم التنافس الشريف، على خلاف العيش في الأمان المفروض الذي هو في ظاهره كريم وفي جوهره يكون كالعيش في فقاعة هواء دائما في حذر من تصرفات العقد الأخرى والتشكيك فيها خوفا من أن تفرقع البلونة الهوائية ويتساقط الجميع منها.

لذا، فالبون شاسع بين الاثنين فالأمان الذي نحسه ونستشعره هو ما نصنعه ونتشارك في تحقيقه بالحب والوئام وبكل القيم الإنسانية النبيلة التي تربط بين العقد=الأفراد في الشبكة المجتمعية ولا وجود فيه لمجال التشكيك، الارتياب، سوء الظن، السيطرة، حب التملك … كلها عوامل تؤدي إلى غياب الثقة في الآخر وبالتالي العيش في جو مشحون تكثر فيه الصراعات المجانية والحسابات الضيقة للعقد =الأفراد فتبرز النزعات الفردية داخل الشبكة لتظهر العلل المدمرة للعلاقات الإنسانية (الحقد، النرجسية، المحسوبية، الزبونية، الإشاعة المغرضة، الوشاية و….) وبالتالي تدمير الشبكة المجتمعية.

قال المفكر ميخائيل نعيمة:
المدينة العظمى هي التي يسود فيها العلم والحرية والإخاء والوفاء.

الريادة

في سنة 1957 وبناء على نداء المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه للشعب المغربي الخروج إلى الجهاد الأكبر بعدما اعتبر كفاح هذا الشعب الأبي لنيل الاستقلال جهادا أصغر، نداء للمشاركة فى بناء المغرب المعاصر؛ عندئد تفتق مشروع المهدي بنبركة الخاص بترصيص وتصفيف طريق يربط بين الشمال(منطقة الاستعمار الإسباني) والجنوب (منطقة الاستعمار الفرنسي ) ، طريق يصل بين تاونات وكتامة عبر مقدمة جبال الريف المسافة 80 كلم، سمي بطريق الوحدة وهو مشروع له أهداف وغاية أشرف على إنجازه المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه (ولي العهد آنذاك) والمرحوم المهدي بن بركة كمهندس للمشروع :

1- الأهداف :
– التطوع
– العمل الجماعي التشاركي
– محو الأمية
2- الغاية :
– تعميق الحس الوطني ب :
– توحيده وإذابة الاختلاف بين الأعراق المكونة للشعب المغربي وبعث روح المواطنة.

– تكوين وتأطير النواة الأولى غداة الاستقلال للرواد الذين حملوا مشعل بناء المغرب المعاصر في مختلف مجالات الحياة المغربية (الجيش، الأمن، التعليم، الفلاحة، الصحة، المناجم … وكذا الانخراط في العمل الحزبي، النقابي، الجمعوي، الرياضي…).

هذا الورش الكبير أنجز بسواعد الشباب المغربي من مختلف أنحاء المغرب الذين لبوا نداء الوطن؛ كانت لدى أغلبهم (المعرفة) معرفة موحدة تجمعهم كاللغة، الانتماء والنوع. وكلها ملكات فطرية بديهية بحكم التربية و التجربة أي ميزة ذاتية. كانوا يشكلون عقدا فردية في مجموعات صغيرة ومتفرقة؛ تواجدوا في مشروع طريق الوحدة لمعرفتهم بضرورة تحقيق الأهداف السالفة الذكر، إلا أنهم في آخر إنجاز الطريق استوعبوا (العلم) الغاية التي من أجلها حققوا الأهداف، بأن الورش الكبير كان مشتلا لأطر الغد، وأنهم حملة مشعل بناء الوطن أينما وحيثما وجدوا، ورسل الوطنية أينما حلوا وارتحلوا.

إن كل عقدة عارفة (المعرفة) بوجودها (اللغة، الانتماء، النوع) هي ميزة ذاتية. لكن ليس كل عقدة عالمة (العلم)، فالعلم ميزة مكتسبة للعقد العارفة نتيجة لمؤثرات خارجية (التعليم، التكوين، التدريب….) وهي بمثابة تلقيحات لصقل الشخصية (العقدة العارفة) وتطويرها لتتموقع في أيما درب ومكان شاءت أن تكون فيه داخل الشبكة المجتمعية حسب رغباتها وميولاتها لتكون فاعلة وبناءة؛ وتكون بذورها بفعل الرعاية والتلقيحات المستجدة خلفا لخير سلف؛ فكما أن العقدة العارفة كانت بذرة وأصبحت نبتة لتزهر وتتفتح وتسر الناظرين إليها داخل الشبكة المجتمعية فأكيد ستعطي بذورا تحمل مشعلها في الآيات والجمال تزين الحقل أو المشتل بشكل عام (الوطن).

قال الكاتب كفاح فياض:
إن المعرفة لم تعد قوة في عصر السرعة والأنترنيت، إنما تطبيق المعرفة هو القوة.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *