الاتحاد الاشتراكي في مواجهة السذاجة السياسية!!!

علي الغنبوري

في كثير من الاحيان يكون الاتحاد الاشتراكي مطالبا بمواجهة ليس فقط الخصوم التقليدين الذين يحملون برنامجا مجتمعيا مخالفا لبرنامجه المجتمعي ، بل يكون مضطرا كذلك لمواجهة « خصوم » اخرين ربما ينهلون من نفس مرجعيته و نفس توجهاته السياسية و الفكرية ،لكنهم يمتازون بسذاجة سياسية سلبية، تتحول الى عدمية مقيتة تدفع الى الاندثار و الزوال.

معاناة الاتحاد الاشتراكي مع هؤلاء « الخصوم » ، هي معاناة قديمة، و غير مرتبطة بمرحلة معينة ، بل هي دائمة و متواصلة ، تتجلى ابرز معالمها ، في عدم القدرة على الفهم الصحيح و الموضوعي و الاني لمواقف الاتحاد ، حيث يعمد هؤلاء في كل مرة الى تسفيه الحزب و توجيه كل انواع الاتهام و التشكيك فيه و في مواقفه ، لكن مع مرور الوقت « الطويل » ، يدرك هؤلاء صواب الاتحاد و تصبح مواقفه المدانة هي المحدد الرئيسي لكل افعالهم و توجهاتهم السياسية .

للاسف فهذه السذاجة السياسية او بمعنى اوضح هذا « التأخر في الفهم  » يضيع على الاتحاد و على الوطن سنوات طويلة من الهدر و الطاقة السياسية التقدمية التي يحتاجها لتحصين مشروعه الحداثي و رص صفوف المؤمنين به لمواجهة كل التحديات و المتربصين به .

فعندما اخرج الاتحاد الاشتراكي للوجود استراتيجية النضال الديمقراطي المبنية على العمل السياسي و التغيير من داخل المؤسسات الوطنية ، انبرى له كل اطياف الصف اليساري انذاك ، موجهين له كل انواع و اصناف الاتهام و التخوين ، بل منهم من نزع عنه انتماءه لليسار ، معتبرين انه اصبح انبطاحيا و تابعا و فاقدا لاستقلاليته ، لكن مع مرور الوقت ، الكل اقتنع بصواب موقف الاتحاد ، بل الكل اليوم يتبنى استراتيجية الاتحاد و يجعلها الافق لعمله السياسي .

و كما يقال ما اشبه الامس باليوم ، نرى كيف تكرر نفس المكونات هجومها على الاتحاد ،بسبب عدم قدرتها على الفهم ، و عدم قدرتها كذلك على الادراك السريع و المتأني لمواقفه و خطواته السياسية .

فعندما تموقع الاتحاد الاشتراكي سياسيا بعد الانتخابات التشريعية الاخيرة ، وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية و الاستمرارية السياسية للحزب و لادواره ، و ما تتيحه الامكانيات الديمقراطية ، تجرع الحزب نفس الهجمات و نفس المنطق الساذج، الذي جعل منه تابعا و فاقدا لاستقلاليته .

فهل كان المطلوب من الاتحاد تسليم نفسه لبنكيران و لمنطقه المنحرف و الرجعي، المبني على الهيمنة و على السيطرة ؟ و هل الاتحاد خرق قواعد الديمقراطية ببناء اصطفافه السياسي ؟ و هل كان المطلوب من الاتحاد ممارسة الطوباوية السياسية و رمي بيضه في سلة واحدة معروفة التوجهات و الاهداف ؟ و هل كان المطلوب من الاتحاد السير مع موجة الابتلاع السياسي الاسلامي ؟

الاتحاد حزب سياسي وطني تقدمي، هدفه الاساسي هو الحفاظ على الفكرة الديمقراطية و التقديمية ، و خلق الشروط المناسبة لاستمرارها قبل كل شيء ، في ضل المتغيرات السياسية و المجتمعية المتسارعة ، بعيدا عن اي منطق ساذج مبني على « الدروشة » و على الاختيارات القطعية .

ممارسة الاتحاد السياسية، هي ممارسة اخلاقية موضوعية و ليست طوباوية حالمة ، و لا تنبني على منطق الرفض و القطع ، بل هي مبنية على الواقع السياسي ، و ما تقتضيه مصلحة الوطن ، و مبنية كذلك على الوضوح ، فالاتحاد لم يكن طيلة مساره السياسي رافضا للمؤسسات الوطنية ، و لم يضع يوما من الايام عناصر الاجماع الوطني موضوع رفض او مزايدة.

ما يواجهه الاتحاد اليوم هو سذاجة سياسية بينة ، و عسر كبير في الفهم لدى اغلب الذين يتقاسمون معه مرجعيته ، تدفع الى اهدار وقت طويل في توجسات غير موضوعية و ادعاءات غير مبنية على تحليل رصين و واقعي ، تأخر بشكل كبير تجميع القوى الحداثية و الديمقراطية ، و تعطل عجلة البناء الديمقراطي.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *