الشيخ الفيزازي و « واو المعية »

سليمان الخشين: الشيخ الفيزازي و « واو المعية »

من الطرائف التي تتحفنا بها حالة الطوارئ الصحية، وخضوعنا للحجر الصحي، استماعنا إلى مجموعة من الفيديوهات التي تعبر عن آراء أصحابها بخصوص هذه الجائحة، والنصائح التي يقدمونها لتمر أمتنا المغربية من هذه المحنة، فتكون هذه الفيديوهات مجالا للترفيه تارة، وللتثقيف تارة أخرى. ومن بين ما شاهدت فيديو مباشر للشيخ محمد الفيزازي، الذي ما فتئ يقدم لنا النصائح تلو الأخرى بلزوم البيت وعدم نشر العدوى بين الناس، ولا يهمنا في هذا المقام الانتقادات التي يكيلها لأي شيء أو فكر يشتم منه رائحة الحداثة. فالمقصود من هذه « التدوينة » هو الغرور والاستعلاء اللذان يميزان شيخنا في حديثه، حيث لم يحتمل شخصا دفعته براءته أن يعيب عليه ما صدر عن الشيخ من قوله (اعتبره هذا الشخص خطأ لغويا): « نحن المسلمين » وأن الصحيح هو « نحن المسلمون » فأجابه شيخنا بأن ما صدر عنه من قوله هو الصحيح. ف »المسلمين » هنا منصوبة على الاختصاص.

نحن سنسلم بسلامة التصويب الذي قام به شيخنا، ولكن نعيب عليه، أنه يضيق صدره بنعت كل من يتصيد له خطأ لغويا بالجهل، لأن الخطأ هو فطرة إنسانية، ولا يسلم منه أحد، فالكمال لله وحده سبحانه وتعالى. خاصة وأن شيخنا هو في الأصل أستاذ لمادة اللغة الفرنسية، ولكنه استطاع أن يطور مهاراته في اللغة العربية، من خلال انغماسه في قراءة أمهات كتب الفقه والحديث وأصول الفقه. حيث من المعلوم أن اللغة العربية يعتبرها علماء الفقه من العلوم الآلية التي لا غنى عنها لمعرفة أحكام القرآن والسنة النبوية.

هذه القصة التي رواها شيخنا جاءت فقط استطرادا في معرض حديثه، والتي كانت مسبوقة بقوله: « علمت أنه أصيبت هو وزوجتَه بمرض كورونا » حيث جاءت « زوجتَه » منصوبة، فتدارك في قوله إنه يجوز أن تأتي منصوبة، كما يجوز أن تأتي مرفوعة، فإذا اعتبرنا الواو واوا للمعية ستأتي الكلمة منصوبة، أما إذا اعتبرنا الواو واوا للعطف آنذاك يجب أن تكون مرفوعة.

وتعقيبا على استدلال الشيخ في جواز الوجهين معا، أقول وله، والله ولي التوفيق، إن علماء النحو اشترطوا لاعتبار الواو تفيد المعية، إذا كان استعمالها واوا للعطف تفسد المعنى، بحيث لا يمكن القول: « سرت والطريق » فالطريق والحالة هذه لا يمكن أن تكون معطوفة، لأن الطريق لا يسير، كما اشترطوا أيضا أن المفعول معه يجب أن يكون « فضلة » وليس « عمدة » فإن كان الاسم التالي للواو عمدة نحو: (جاء سعيد وخالد ( لم يجز نصبه على المعية بل يجب عطفه على ما قبله فتكون الواو عاطفة ، وإنما كان ( خالد) في الجملة عمدة ،لأنه معطوف على عمدة ( أي: سعيد) والمعطوف له حكم المعطوف عليه. كما اشترط النحاة أيضا أن واو المعية لا تفيد اشتراك ما قبلها وما بعدها في الحكم، بل تدل على المصاحبة. وحالة « المحامي وزوجه » يفيدان اشتراك كليهما في حكم واحد وهو الإصابة بالمرض، ولا يفيد أن هذه الإصابة قد حدثت لهما في وقت واحد، حيث أصيب أحدهما ثم نقل العدوى للآخر. كما أن جملة « أصيب المحامي وزوجته بالمرض » قد تفيد معنى آخر وهو أن الذي أصيب هو المحامي فقط، وأن زوجته كانت حاضرة وقت حدوث الإصابة، بينما، الفكرة المراد إيصالها، هو إصابة الإثنين بالعدوى، ومن ثم تكون الواو الفاصلة بين المحامي وزوجه، هي واو للعطف، ولا تفيد المعية.

وفي الأخير نقول لشيخنا إن النحو بحر لا ساحل له، ومن ثم فإن عليك أن تتحلى بصفات العلماء وفي مقدمتها تقبل النقد بروح « رياضية » والرد على المنتقدين بما يليق بهم من كلمات طيبة متسامحة، لأن النقد مجاله هو الرفع من قيمة العمل المقدم وليس الانتقاص من قيمة صاحبه. ولذلك عليك ألا تكون متسرعا بإلقاء أحكام القيمة، من قبيل نعت المنتقد بالجاهل أو بالكافر أو بالمضل. يقول تعالى: « ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين » صدق الله العظيم.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *