في ضرورة المؤسسة الملكية!!

علي الغنبوري

الحديث عن المؤسسة الملكية و الدفاع عن ضرورتها ، لا يعني تبني خطاب مبتدل يجعل من التمجيد و التطبيل اساس هذا الحديث ، بل مناقشة هذه الضرورة تنبع من وجهة نظر وطنية تقوم على ادراك عميق للقيمة و الدور الكبير الذي تلعبه هذه المؤسسة في وحدة و استمرار الوطن .

للاسف بات اليوم سائدا في الاوساط السياسية و الثقافية و الديمقراطية الجادة ببلادنا ، نوع من الخجل والتردد في الحديث عن الملكية و ضرورتها ، بل هناك شبه امتناع في الخوض في هذا الموضوع.

وربما ذلك راجع الى الضغوط القوية التي تمارسها بعض الاطراف، خاصة داخل مواقع التواصل الاجتماعي ، التي تصنف كل من يتحدث عن الملكية في خانة التملق و التزلف اليها طمعا في الريع الذي يمكن ان يستفاد منها .

و رأينا كيف تم ابتداع مصطلحات و اوصاف جاهزة ، تلصق بكل من يتحدث عن الملكية و ادوارها من قبيل » التعياشيت  » و « التمخزين » و غيرها من المصطلحات ، التي باتت تشكل عصا غليظة توجه لكل من يحاول ان يخرج عن حالة الحصار المفروضة افتراضيا على المدافعين عن ضرورة الملكية.

و لاحظنا كذلك ،كيف توارى المثقفون و الوطنيون و الفاعلون السياسيون عن معركة كسر الحصار عن التعبير الحر على المواقف حول الملكية و ادوارها و ضرورتها ، و كيف استسلم الكل لهذه الطروحات العدمية و الشعبوية ، بل كيف اصبح البعض يساير هذه الاطراف و يستعمل مصطلحاتها للتعبير عن اختلافه في الراي مع عدد من الفاعلين ، درءا لهذه التهم عنه.

صحيح ان هناك اطراف و مواقف غارقة في الابتدال و الضعف ، الناهل من البروباغندا و التطبيل و التبجيل المبالغ فيه للملكية ، لكن هذا لا يعني باي حال من الاحوال ان يتنصل المرء من مواقفه و مبادئه و قناعاته حول الملكية و ضرورتها .

ضرورة المؤسسة الملكية لا تنبع من وجودها الطاغي على الساحة السياسية و اختصاصاتها الكبيرة و هامش حركتها الهائل في شتى المجالات و الميادين، التي يحق للكل الاختلاف معها و نقاشها و السعي نحو الحد منها ، لكن ضرورتها ، نابعة بالاساس من كونها عاملا من العوامل الرئيسية للوحدة الوطنية ، تتجمع حولها كل المكونات و التمايزات المختلفة و المتنوعة للشعب المغربي .

فاستمرار المؤسسة الملكية طيلة 14 قرنا من تاريخ المغرب ، جعلها تتحول من مجرد مؤسسة حاكمة الى جزء و مكون رئيسي للهوية المغربية ، يسمتد منها و من عناصر اخرى المغاربة وجودهم كشعب موحد و متميز عن باقي الشعوب ، و تستمد منهم شرعيتها و مشروعيتها .

لا احد اليوم يمكنه تجاهل مكانة الملكية في وجدان المغاربة ، فهم عاشوا معها امجادهم وبطولاتهم ، اخفاقاتهم و كبواتهم ، دافعت عنهم و دافعوا عنها في محطات مصيرية من تاريخ البلاد ، حيث اصبح من المستحيل فرز هذه المؤسسة عن الشعب المغربي، فهي جزء لا يتجزء منه ترمز لهويته و لوحدته و لتمايزه .

شرعية و مشروعية المؤسسة الملكية بالمغرب غير قابلة للتشكيك ، فانصهارها مع المغاربة كشعب موحد ، غير قابل للتجاوز ، و يجعل مصير اي بناء و اي طرح سياسي لا ينطلق من هذا المعطى الرئيسي و المركزي ،هو الدفع نحو تفكيك الوطن و هدم اسسه ، و الرمي به الى المجهول القاتل .

فلكل بناء متين أركانا يستند إليها تعززه وتحفظ له بقاءه، والإخلال بأي ركن منه يعرض البناء كله للسقوط والانهيار مهما كانت قوة الأركان الباقية، فالوحدة و الهوية الوطنية هما الركن الرئيسي و الاساسي الذي يستند إليه الوطن ويأمن جانبه.

ضرورة المؤسسة الملكية ،لا تعني التخلي عن طموح البناء الديمقراطي للبلاد ، او الاستكان للواقع الجامد لتطور هذا البناء ، بل بالعكس، فالادراك الواعي و العميق لضرورة هذه المؤسسة ، يزيد هذا الطموح زخما ، و يؤطر اهدافه و غاياته ،و يوضح منطلقاته و أسسه التي يقوم عليها .

غياب البعد الوطني عن النضال من اجل الديمقراطية ، يفرغه من محتواه ،و يجعله نضالا فوضيا و عبثيا ، يسهل توجيهه و التحكم فيه و في القائمين عليه من الاجندات المشبوهة و الملتبسة الساعية الى تخريب الوطن و تقسيمه الى طوائف عرقية و دينية و ايديولوجية .

الرهان المطروح على القوى الديمقراطية و التقدمية الوطنية اليوم ، هو رهان مزدوج ، يثمثل في الحفاظ على وجود و مناعة المؤسسة الملكية و تكريس صورتها الرمزية داخل الشعب المغربي ، بالاضافة الى نضالها الوطني المبدئي و الجاد من اجل التغيير الديمقراطي و الحداثي في ظل المغرب الموحد و الحاضن لكل ابنائه و لكل حساسياته و تميازاته المجتمعية .

الحديث عن الملكية اليوم و الدعوة الى التمسك بها و الحفاظ عليها ، لا ينبع من ترف فكري او تذكير متكرر بتاريخها ، بل يعود الى ما نشهده اليوم من حركية نشطة و سعي حثيث و متزايد لبعض الاطراف ، لتكريس المواجهة بين هذه المؤسسة و الشعب المغربي .

فما تعرفه مواقع التواصل الاجتماعي من انشطة و ممارسات منظمة ، تسعى الى الاستدرار التهييجي للعواطف ، و الاستغلال البشع للمشاكل المجتمعية ، و توجيهها نحو تحطيم رمزية الملكية لدى الشعب المغربي ،يدفعنا الى التساؤل حول الاهداف و الغايات من هذا الصدام ، و عن الجهة او الجهات التي تقف وراء هذا الطرح ، خاصة في ظل الامكانيات البشرية و المادية الكبيرة الموظفة في هذا المسعى.

لا يمكن لاحد انكار وجود اختلالات اجتماعية و سياسية كبيرة بالبلاد ، حتى المؤسة الملكية نفسها تعبر عنها و عن خطورتها باستمرار ، لكن معالجة هذه الاختلالات و تجاوزها ، لا يمكن ان يدفعنا الى تبني مقاربات تسعى الى المقامرة بمستقبل البلاد و تهديد وحدته و تماسكه .

المطلوب اليوم ، هو تبني مشروع وطني واضح ، يروم خدمة الشعب المغربي و يسعى الى تغير واقعه في شتى المجالات ، و يساهم الجميع في بلورته ، وفق قيم الديمقراطية و العدالة و الحرية ، في توافق تام مع مرتكزات الوطن و عناصر اجماعه و في مقدمتها المؤسسة الملكية .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *