لا تغيير سياسي بدون توافق !!

عندما قبل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، الدخول في تجربة التناوب ، لم يكن همه انذاك الحفاظ على ذاته و البحث عن المكاسب التي من الممكن ان يجنيها من وصوله الى السلطة ، بل الهم الوحيد الذي تغلب على اقدام الاتحاد على هذه الخطوة التاريخية ، هو الحفاظ على الوطن و تقويته و تدعيمه و تحصينه من كل الطروحات و الاجندات التي كانت تتربص به داخليا و خارجيا .

توافق الاتحاد مع الدولة ، لم يكن بناء على شروط فئوية و حزبية ضيقة ، بل كان على اساس شرط وحيد، هو استمرار الدولة و تطويرها و تحقيق شروط نهضتها، لتكون قادرة على مواجهة التحديات و الرهانات المستقبلية ، التي انخرط فيها العالم باسره انذاك .

تلاقي ارادة الدولة و الاتحاد ، في التغير و البناء المتين للوطن ،و الابتعاد عن كل ما يمكنه ان يعيق هذا النهج ، دفع بالاتحاد الى تحمل مسؤولياته بكل وطنية وصدق ، و جعله يقدم تنازلات و يراجع مجموعة من مواقفه السابقة ، و ينخرط بكل تجرد في ارساء اجواء الثقة بينه و بين المؤسسة الملكية بما لها من صلاحيات و رمزية و شرعية داخل البلاد .

هذه الثقة و هذا التجرد ، هو ما سيفتح الباب بمصرعيه ، لتحقيق كل المكتسبات الديمقراطية و الحقوقية التي يعيش على وقعها المغرب اليوم ، و هذا التجرد و الانخراط الصادق للاتحاد في تعزيز التوافق مع الدولة ، هو من صاغ تجربة الحقيقة و الانصاف ، و هو ما مكن من اخراج مدونة الاسرة للوجود ، و هو من اعطى الانطلاقة الفعلية لاوراش بناء المغرب اقتصاديا و اجتماعيا .

الاكيد اليوم ان المغرب يعيش مرحلة ملتبسة و ضبابية ، تطرح معها مجموعة من الاسئلة الحارقة ، حول مستقبل التوجه الديمقراطي ،و حول تطور منظومة الحقوق ، و التوجهات الاجتماعية للبلاد ، لكن هذه الاسئلة يجب ان تقرن بالظرفية السياسية التي يعيشها المغرب، و من يطغى عليها من الفاعلين السياسيين .

فنهاية مرحلة التوافق التي قادها الاتحاد ، انتهت بشكل رسمي و رمزي ، بعد دستور 2011 و تمكن حزب العدالة و التنمية من تصدر المشهد الانتخابي ، و قيادته للحكومة ، و انخراطه في تدبير الشان العام .

الوصول المفاجئ و الاضطراري لحزب العدالة و التنمية للسلطة خلال سنة 2011 و ما رافقها من احداث و متغيرات سياسية و اجتماعية ، دفع بشكل واضح الى حصول اختلال كبير في منطق التوافق الذي سمح للمغرب بتحقيق عدد هائل من المكتسبات الديمقراطية و الحقوقية و الاجتماعية، في الوقت الذي كان محيطه الاقليمي غارقا في مناهج التدبير و الحكم التسلطي و القمعي.

فحزب العدالة و التنمية ، انخرط منذ اليوم الاول لتوليه شؤون الحكومة ، في نهج مقاربة ، تقوم على الصدام و التنافر مع الدولة ، و جعل من هذا النهج اساس رؤيته الاستراتيجية .

هذا التوجه او النهج لم يخفه حزب العدالة و التنمية ، بل سعى الى ابرازه في كل المناسبات و المحطات ، فهو بدل ان يعمل على خلق شروط البناء و التغيير على اساس التوافق ، سعى الى الهيمنة و التفرد ، بل ذهب الى ابعد من ذلك ، فامينه العام السابق عبد الاله بنكيران لم يخفي نيته في تفكيك مفاصل الدولة .

العدالة و التنمية ذو المرجعية الاسلامية الدينية ، بارتباطاتها و اجندات القائمين عليها داخليا و خارجيا ، اعتبر ان الفرصة مناسبة و مواتية ، لقنص الدولة و ادخالها في جبته و فرض رؤاه و توجهاته على الجميع .

فالحزب جعل اولوية حصيلته الحكومية ، فيما يتحقق من صراع سياسي ، و من تسجيل للنقاط على خصومه السياسيين و
الاديولوجيين ، بدون اي تفكير او توجه نحو البناء و التغيير .

هذا المنطق الصدامي الساعي الى الهيمنة و التفرد ، و الفرض ، و الابتعاد عن التوافق ، و التنازل ، و التفكير بمنطق « الحزب اولا و ليذهب الجميع الى الجحيم » ، هو من سيدخل المغرب الى هذه الدائرة الضبابية الملتبسة ، و هو من سيعود بالمغرب الى مراحل الصراع السياسي الهدام ، و هو من سيفوت على البلاد فرصة الاستمرار في التطور و التغيير .

و رغم تغيير حزب العدالة و التنمية لقيادته ، و اظهاره لليونة اكثر ، و ارساله لمجموعة من الاشارات الايجابية و المطمئنة حول توجهه السياسي الجديد ، الا ان هذا لا يكفي للانطلاق نحو تحقيق شروط التغيير و البناء .

التوافق البناء ، يقتضي السير بسرعة واحدة ، و وضع البيض في سلة واحدة ، هي سلة الوطن و مصالحه ، و للاسف حزب العدالة و التنمية ، لا يريد ان يفهم ان ازدواجية المواقف ، و وضع ارجل عديدة في مواقع متعددة ، و تقسيم مناضليه و اتباعه الى تيارين ،تيار حكومي مهادن ،و تيار معارض مهاجم وصدامي ، لن ينتج عنه الا اطالة في هذا الوضع الملتبس و الضبابي الذي يعيشه المغرب .

حزب العدالة و التنمية ، مطالب اليوم اكثر من اي وقت مضى ، بالوضوح في مواقفه و توجهاته ، و ان يبتعد عن عقلية المندس التي تجعل منه كيانا مندسا داخل جسم الدولة ، يسعى الى تفكيكها و السيطرة عليها ، و الاستيلاء على دواليبها .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *