فتاوى الهلاك.. الشعراوي بين السياسة والمصلحة الشخصية

ألبير بوسف، صحفي وباحث في العلوم الانسانية

التاريخ الإسلامي به الكثير من الفتاوى بعضها الطريف وبعضها الصادم، ولكن الشعراوي عزف منفردًا بفتاوى كادت تؤدي للهلاك لو طُبقت كقانون أو بشكل فردي، وكانت نتيجة الاعتبارات السياسية بما فيها الخضوع أو التمرد على الأنظمة، فالخضوع والتسليم يعميان الفرد عن رؤية المشاكل والعيوب، والتمرد والرفض يجعلان الفرد ينحاز إلى النقد والمخالفة، وهذا الشيخ إنسانٌ يخطئ ويصيب.

نفرح عندما نهزم
في البرنامج التلفزيوني “من الألف للياء” سُئل الشيخ عن بعض التواريخ وأين كان موجودًا وقتها، منها ٥٢ و٦٧ و٧٣، وأجاب عن كل التواريخ، وبدون سؤالٍ من الإعلامي لوّح الشعراوي بأنه فرح بهزيمة ٦٧، أي أنه فرح بالنكسة التي قُتل فيها المسلمين واحتُلت أراضيهم على أيدي الصهاينة لمجرد أن عبد الناصر كان شيوعيًا.

يقول أنه في يونيو ١٩٦٧ كان في الجزائر حين وقعت الهزيمة، فسجد لله ركعتين لأننا لم ننتصر، وسأله ابنه لماذا يا أبي؟ كيف تشكر الله على هزيمة الوطن؟ فأجابه الشيخ: “لو كنا انتصرنا يا ولدي لكنا قد فُتِنا في ديننا من الشيوعية”، وللعلم بالشيء أن شقيق الشعراوي استشهد في ضرب معامل البترول في حرب ١٩٥٦.

ولكن من الواضح أن الشيخ يُفضل اليهود عن المسلم الشيوعي حتى وقت الحروب والنكسات، رغم أن عبد الناصر قدّم للإسلام أكثر مما قدّم الشعراوي، فزادت المساجد عشرة آلاف مسجدًا، أي ما يعادل عدد المساجد التي بُنيت في تاريخ مصر كله، وأصبحت التربية الدينية مادة إجبارية، وتم تطوير الأزهر تطويرًا لم يشهده طيلة التاريخ، وإدخال العلوم الحديثة في مناهجه، وأكثر من ذلك بكثير، والأشد غرابةً أن بعثة الشعراوي للجزائر وقت الحرب كانت بسبب عبد الناصر لأنها كانت بعثة أزهرية.

والجدير بالذكر أنه بعد مرور عدة سنواتٍ تم تعيين الشعراوي في فترة السادات وزيرًا للأوقاف بعد مهنته البسيطة في الأزهر، وهو أصبح بذلك وزيرًا في حكومة السادات التي وافقت على كامب ديفيد، وعام ١٩٧٨ في مجلس الشعب قال الشعراوي “إن السادات لا يُسأل عما يفعل”.

وقبل هذا اللقاء أعدّ الشعراوي بيانًا ضد التطرف ونشر في وسائل الإعلام وتحدّث فيه عن دور مصر في نشر الدعوة الإسلامية.

اترك المريض يموت
يقول الشعراوي أنه لا يجب نقل الأعضاء أو علاج المريض لأن هذا تعطيلاً لإرادة الله، في حين أن العالم والجاهل يدرك أنه ليس للإنسان قدرة في تعطيل إرادة الله المطلقة، لأن بذلك تسقط عنه صفة الألوهية.

ويكمل حديثه باللقاء: “ما يموت، ايه المشكلة؟ انتو ليه بتبعدوا لقاؤه بربه؟”، وضرب مثالاً بالفشل الكلوي ومصاريفه وفشل علاجه، في حين أن كل الأمراض في بدايتها كانت مثل الأمراض التي نعتبرها اليوم لا حل لها، والحل وجده الشعراوي وهو قتل أصحابها.

ولكن الشعراوي حين مرض ذهب للعلاج خارج مصر، وقام بعلاجه طبيبٌ يهودي وآخر مسيحي وطبيبه الخاص، وكانت حالته صعبة ولا تحتمل التخدير -حسب فتاواه يجب أن يُترك ليموت- وقال بعدها “الثلاثة أديان يشرفون على علاج الإمام”.

حديث مع الله
كان توفيق الحكيم ينشر حلقات في “الأهرام” بعنوان “حديث مع الله”، وكفّره بعض العلماء ومنهم الشعراوي وكانت حجتهم كيف يُكلّم توفيق الحكيم الله! وإنّ الله لم يُكلّم سوى الأنبياء، وبذلك توفيق مُدعٍ للنبوة ومشرك، رغم أنها مجرد قصة كقصة حي بن يقظان لابن سينا، وأنه مجرد عنوان مجازي للقصة الخيالية الفلسفية، وهو عنوان أقل بكثير مما قاله الصوفيون عن الله ومنهم ابن عربي والحلاج، وخوفًا تم تغيير العنوان من “حديث مع الله” إلى “حديث إلى الله” وكفى المؤمنين شر القتال.

النهاية
جميع الفتاوى طريقها كان خدمة الإنسان، لأن الدين من أجل الإنسان، ولكن بعض فتاوى الشعراوي كان طريقها تقليل قيمة الإنسان، وليس لأنه شيخٌ فهو معصومٌ عن الخطأ، فالمتطرف أو الإرهابي عالمٌ بالقرآن وتفاسيره وأحكامه، والعلماني هكذا، والوسطي هكذا، ولا نستطيع أن نقول أنهم معصمون أو أن كلهم صواب، ويجب أن نأخذ كلامهم للنقد والفحص أولاً حتى نتأكد من الرفض أو القبول، وهناك فتاوى في التاريخ الإسلامي كانت أشد غرابةً.

ولكن فتاوى الشعراوي ونفوذه وشهرته جعلت من فتاواه كارثية لأنها تقول للإنسان “أنت مجرد شيء”.
وبعض الاتهامات الأخرى أن للشعراوي شريط جنسي مع طفلين يمتلكه العديد من الأشخاص، ومنهم من أقرّوا بذلك وتم إغلاق القصة، وتم تحرير محضر ولا أعرف مصيره الآن، ولكن ذكره العديد من الكتاب والصحفيين ونشرته عدة جرائد، وبعدها تم حذفه، والمحضر قد تم تحريره ضد الشعراوي متهمٌ فيه بالشذوذ مع ولدين صغار، هذا المحضر مُحرر برقم 1163 في قسم الخليفة (بالقاهرة)، واتهامات أخرى بـممارسة الجنس مع الفنانات والعاهرات بشهادة أصدقائه، وأيضًا مشاركته في شركة الريان ٣٤٪؜ من الأسهم وتبريره لمثل هذه الشركات والترويج لها والريان بالأخص، وأنه كان مريضٌ نفسي. وهذا تحديدًا ما ذكره أحمد مصطفى أباظة في مذكراته بالأدلة والشهود عن حياة الشعراوي، ولكن الحديث هنا كان عن فتاواه وأفكاره لأن حياته تخصّه هو فقط.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *